تقرير أميركي: الاقتصاد السوري أمام مفترق طرق بين الانهيار وفرص التعافي

كشف تحليل صادر عن مركز الأبحاث الأميركي “نيكست سينشري فونديشن” أن الاقتصاد السوري يعيش مرحلة شديدة الحساسية، حيث تتقاطع مسارات الانهيار العميق مع بوادر إصلاحات جديدة أطلقتها الحكومة المؤقتة بعد عام 2024. ويشير التقرير إلى أن أربع عشرة سنة من الحرب والعقوبات تركت البلاد في حالة ترنح اقتصادي غير مسبوق، وسط فقر واسع وتدهور شامل في البنية الاقتصادية.

وبحسب التقرير، فإن نحو 90% من السوريين يعيشون اليوم تحت خط الفقر، وأكثر من ربع السكان في فقر مدقع، فيما فقد الاقتصاد منذ 2011 ما يقارب ثلثي حجمه الحقيقي. كما تراجعت قيمة الليرة السورية بأكثر من 99% من قيمتها الأصلية، وتآكلت الاحتياطيات النقدية، بينما ساهمت السوق السوداء والتهريب وتجارة المخدرات في تعميق الأزمة وتغذية الاقتصاد الموازي.

حكومة جديدة ببرنامج اقتصادي واسع

تُقدّر تكلفة إعادة الإعمار الشاملة في سوريا بين 250 و400 مليار دولار، وفق تقديرات دولية، وهي عملية يُرجّح أن تمتد لعقد كامل على الأقل في ظل التعقيدات السياسية والاجتماعية الراهنة. ومع سقوط الحكومة السابقة في كانون الأول/ ديسمبر 2024، تشكلت حكومة مؤقتة برئاسة أحمد الشرع، حاملة برنامجاً اقتصادياً واسعاً يهدف إلى إنعاش البنى التحتية المتهالكة وإعادة بناء المؤسسات الضعيفة.

وقد بدأت الحكومة بتنفيذ سلسلة إصلاحات “جريئة”، وفق توصيف التقرير، أبرزها تعزيز استقلالية البنك المركزي، خفض دور الدولة في النشاط الاقتصادي، الاتجاه نحو خصخصة مؤسسات عامة، وتقليص حجم القطاع الحكومي لصالح اقتصاد أكثر انفتاحاً.

عملة جديدة وانفتاح مالي دولي

ولمواجهة الانهيار الحاد في قيمة العملة، شرعت الحكومة بإصدار ليرة جديدة بحذف صفرين، في خطوة تهدف إلى استعادة الثقة بالتعاملات النقدية. بالتزامن، فتح تخفيف العقوبات الأميركية والأوروبية مطلع العام الجاري الباب أمام تحرك مالي أوسع، حيث سُجّل أول تحويل مصرفي عبر شبكة “سويفت” منذ عام 2011.

وشمل هذا الانفتاح إجراءات إضافية مثل تخفيض الرسوم الجمركية وإعادة فتح حركة التجارة الحدودية، ما أدى إلى نشاط تجاري متزايد، خصوصاً في المناطق الشمالية. كما وقّعت الحكومة اتفاقات اقتصادية كبيرة شملت مشاريع طاقة وبنية تحتية ونقل، إضافة إلى تعهدات إقليمية ودولية بمليارات الدولارات لدعم مراحل الإعمار الأولية. كذلك تم استئناف التعاون مع دول مجاورة في ملفات الغاز والكهرباء لإعادة تشغيل قطاعات حيوية.

تحديات هيكلية عميقة رغم الإصلاحات

ورغم الزخم الذي منحته الإصلاحات الجديدة، يشير التقرير إلى أن الاقتصاد السوري ما يزال يواجه عقبات بنيوية عميقة. الانقسام الجغرافي وغياب العدالة التنموية يبقيان فجوة واسعة بين المناطق، حيث سجلت إدلب نشاطاً اقتصادياً لافتاً، في حين بقيت دمشق وحلب متأخرتين في عمليات الإعمار نتيجة الأضرار الكبيرة.

كما تعاني المؤسسات المصرفية من شلل فعلي ونقص كبير في السيولة، إضافة إلى غياب السجلات العقارية وتزايد النزاعات على الملكية، وهو ما يعطّل أي قدرة على جذب استثمارات طويلة الأمد أو استعادة الثقة بالبيئة الاقتصادية.

ويحذر التقرير من أن ضعف الشفافية في إدارة الموارد والعقود قد يؤدي إلى تكرار نماذج الاحتكار الاقتصادي السابقة، مع بروز شبكات نفوذ ضيقة داخل السلطة الحالية، ما يقوض مبدأ المنافسة ويهدد أي مسار إصلاحي حقيقي.

أزمات إنسانية مستمرة

على الصعيد الإنساني، يواجه أكثر من 16 مليون سوري ظروفاً معيشية قاسية، ما يجعل أي تحسن اقتصادي غير ملموس بالنسبة لغالبية السكان. ويرى التقرير أن استمرار الضغوط الاجتماعية والاقتصادية يجعل نجاح الإصلاحات مرتبطاً بشكل مباشر بتحقيق استقرار سياسي شامل، وضمان توزيع عادل للموارد، وبناء ثقة جديدة بين الدولة والمجتمع.

ويخلص التقرير إلى أن مستقبل الاقتصاد السوري سيظل رهناً بقدرة الحكومة المؤقتة على تجاوز التحديات البنيوية، وترسيخ مؤسسات أكثر شفافية، إضافة إلى خلق بيئة اقتصادية قادرة على جذب الاستثمارات ودعم التعافي على المدى الطويل.

اقرأ أيضاً:الاستقرار الاقتصادي في سوريا: انخفاض التضخم إلى 15% وجهود العودة للنظام المالي العالمي

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.