العلويون في سوريا ما بعد الأسد: بين الفراغ التمثيلي ومقدمات الاحتجاج الجديد

عام على السقوط والمكوّن العلوي في مفترق الطرق

بعد عام من سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد في كانون الأول 2024، يجد المكوّن العلوي في سوريا نفسه في حالة من الفراغ التمثيلي الكامل.

فقد فقدوا “الملاذ الوطني” الذي كان يمثله الجيش والأجهزة الأمنية، والتي كانت مجال عمل رئيسي لعشرات الآلاف منهم.

ومع تبني الإدارة الجديدة في دمشق لتعريف ديني/إسلامي واضح، تفاقم شعور العلويين بأنهم خارج المعادلة الجديدة، وسط حملات اعتقال وتهميش وظيفي.

أمام هذا الواقع، بدأ المكوّن العلوي محاولات لتنظيم صفوفه داخلياً وخارجياً، في صورة معقدة من التشكيلات المتنافسة والاحتجاجات السلمية.

1- المشهد الداخلي: تشكيلات متصارعة ومؤسسة احتجاج جديدة

يشهد الداخل السوري محاولات لتأسيس أطر تمثيلية للمكوّن العلوي، أبرزها:

المجلس الإسلامي العلوي الأعلى: أُعلن عنه في 4 شباط برئاسة الشيخ غزال غزال.

مهمته المعلنة هي التمثيل الروحي للطائفة، وله مكتب تنفيذي سياسي واقتصادي وإغاثي. ورغم الترحيب الشعبي الواسع، لكن المجلس واجه الشك من السلطة الجديدة التي اتهمت الشيخ غزال بـ”التبعية لإيران”، ما أدى إلى تواريه، مع استمرار بياناته.

لجان السلم الأهلي: أنشأتها الإدارة السورية الجديدة كأداة “وحدة وطنية” وضبط اجتماعي بعد مجازر الساحل.

استقطبت هذه اللجان رجال دين علويين من “التيار الواقعي” وناشطين محسوبين على قيادات سابقة ، وحصلت على دعم مباشر من الإدارة.

لكنها بقيت في نظر شريحة واسعة من العلويين ذراعاً للسلطة. أكثر من كونها ممثلاُ للعلويين.

2- الإضراب الأخير: ولادة مرجعية رمزية جديدة

شكّل الإضراب العام السلمي الذي دعا إليه الشيخ غزال غزال بين 8 و12 كانون الأوّل، نقطة تحول كبرى.

وقد جاء الإضراب رفضاً لاستمرار الاضطهاد العنف الطائفي والانتهاكات ضد العلويين.

كانت الاستجابة للإضراب واسعة في الساحل وحمص وريف حماة، ما أظهر أن الشارع العلوي سبق لجان السلم الأهلي والمجالس الرسمية بخطوة.

وقد ثبت الإضراب ثلاث حقائق جوهرية:

1- الشيخ غزال غزال أصبح المرجعية الرمزية الأولى لمعظم العلويين.

2- المكوّن العلوي قادر على تنظيم فعل احتجاجي جماعي بدون سلاح.

3- السلطة الانتقالية تواجه لأول مرة “كتلة احتجاج أقلّية” متمركزة في الساحل، يصعب اختزالها بخطاب “فلول” النظام السابق.

3- كيانات المهجر واللغط حول الاتصالات مع “إسرائيل”

نشأت في المهجر سلسلة من التجمعات المدنية والسياسية بعد مجازر الساحل، منها حركة الشغل المدني في سوريا التي تركّز على الخصوصية العلوية واللامركزية الموسّعة ، والاتحاد الدولي للمنظمات العلوية الذي يمثل مظلّة تنسيقية لأكثر من 30 كياناً تسعى للاعتراف بالجرائم ضد العلويين كجرائم تطهير عرقي/إبادة.

و على الرغم من كثرة هذه الكيانات، لا يزال العلويون من دون مركز قرار موحّد ، ولم تنجح هذه الأطر في فرض أجندة واضحة على أي فاعل دولي.

كما رافق هذا الحراك لغط حول “الاتصالات المزعومة مع إسرائيل”.

 الملفات المتاحة لا توجد فيها إشارات موثّقة عن قنوات رسمية أو شبه رسمية بين كيانات علوية في المهجر و”إسرائيل”. ويُرجح أن هذا الحديث مصدره:

  • الإعلام الإسرائيلي الذي يضخّم فكرة أن العلويين طائفة يمكن أن تنقلب على دمشق وتطلب حماية “إسرائيل”
  • التكهّنات ببحث نخب النظام السابق عن “صفقات خلفية”.
  • الربط الآلي بين أي نشاط في الساحل وبين “إسرائيل” كلاعب إقليمي تقليدي

كما يشير التقدير الاستراتيجي إلى أن المزاج العام للشارع العلوي ما زال بعيداً عن فكرة التقارب مع “إسرائيل” ، وأن الحديث عن “قنوات منسّقة” يبقى غير مؤكد ويُستخدم للضغط على المكوّن أو لتشويهه

في المحصلة، يواجه المكوّن العلوي تحدياً في إنتاج سردية وطنية جامعة تتجاوز السرديات المتضاربة :

  •  “الاعتراض هو عمالة أو فُلول” من السلطة، 
  •  “نحن ضحايا الجميع” من المحتجين، 
  •  “سوريا تتفتت” من الإعلام الخارجي

كما أن الرهان الاستراتيجي الحقيقي يكمن في إنتاج سردية رابعة تقول: “مجتمع علوي جُرّد من امتيازاته الزائفة ومن أمانه الحقيقي في آن واحد، ويطالب اليوم بمكان عادل داخل دولة مدنية، لا في “كانتون” طائفي ولا تحت “حماية أجنبية”.

إذا تُرجمَت هذه الجملة إلى سياسة وعدالة، سيُذكر الإضراب كتاريخ ولادة شراكة جديدة. وإلا، يتحول إلى تاريخ بداية تمزّق طويل.

إقرأ أيضاً: العلويون في سوريا: من التهميش إلى محاولات التغيير والمطالبة بالتمثيل

إقرأ أيضاً: قرارات تعسفية بفصل مئات الموظفين العلويين في الساحل السوري.. التمييز الطائفي إلى متى؟

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.