من عملية “سهم باشان” إلى نداء “جبل الباشان”.. دروز سوريا في عين العاصفة

داما بوست -خاص

في لحظة فارقة من تاريخ الجنوب السوري، وبين طيات الحصار والجوع والتهميش، يعود جبل العرب أو كما أسماه الشيخ حكمت الهجري “جبل الباشان” إلى الواجهة من جديد، لكن هذه المرة ليس بصور البطولة والتاريخ، بل من بوابة الإنذار الإنساني، والصراع السياسي الإقليمي، والاصطفاف الطائفي المتشابك.

“سهم باشان”: بداية زلزال سياسي وعسكري:

في تشرين الأول من عام 2024، أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية تحمل اسم “سهم باشان”، وهو اسم مستوحى من التوراة، ويرمز إلى المنطقة الواقعة جنوبي سوريا، والتي تشمل جبل العرب أو “جبل الباشان” كما أسماه الهجري في بيانه اليوم، وهي المرة الأولى التي يطلق الهجري هذا الاسم على جبل العرب.

العملية، التي جاءت في أعقاب سقوط نظام الأسد، استهدفت مواقع استراتيجية للجيش السوري السابق، خاصة في المناطق المحاذية للجولان. حينها، اعتبر البعض أنها كانت بمثابة إعلان غير مباشر لدخول “إسرائيل” على خط إعادة تشكيل الجنوب السوري، ليس فقط عسكريًا، بل ديموغرافيًا وجغرافيًا أيضًا.

جبل الباشان.. ذاكرة “مقدسة” وصراع حديث:

التسمية التي استُخدمت من قبل الشيخ حكمت الهجري، الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز في سوريا، لم تكن اعتباطية. استخدامه لـ”جبل الباشان” بدلًا من جبل العرب أو السويداء يشير إلى محاولة ترسيخ البعد الرمزي والروحي والتاريخي للجبل، لا كمنطقة محلية فقط، بل ككيان ثقافي وديني له جذور عميقة في التوراة والتاريخ القديم.

هذا البُعد يمنح خطاب الشيخ الهجري بعدًا يتجاوز المحلي، ويدفع بالقضية إلى سياق أوسع من مجرد أزمة داخلية.

نداء “الباشان”: صرخة بوجه التجويع والحصار:

اليوم، وجّه الشيخ حكمت الهجري نداءً إنسانيًا عاجلًا إلى المجتمع الدولي، متهماً الحكومة السورية المؤقتة وميليشياتها بفرض حصار ممنهج على السويداء. تحدث البيان عن “إبادة ناعمة” عبر قطع الرواتب، منع المحروقات، استهداف القطاع الصحي، إغلاق المعابر، وفرض ما يشبه “العقوبة الجماعية” على الأهالي.

هذا النداء لم يكن فقط محاولة لطلب الإغاثة، بل إعادة تموضع سياسي للطائفة الدرزية، ورسالة للداخل والخارج بأن الجبل لا يزال رقماً صعباً في المعادلة السورية، وأن أي محاولة لعزله أو إخضاعه بالقوة، ستفتح باب صراع طويل قد لا ينتهي بسهولة.

الدروز بين فكّين: الاحتلال والحصار:

اليوم، يجد دروز سوريا أنفسهم بين فكي كماشة:

من جهة، الضغوط الإسرائيلية المبطّنة لإعادة هندسة الجنوب السوري بما يتناسب مع ما يُعرف بـ”الأمن الحدودي”.

ومن جهة ثانية، سياسات الإقصاء والحصار والتجويع التي تمارسها الحكومة السورية المؤقتة المدعومة من أطراف إقليمية متشابكة.

الرسائل المتعددة في النداء:

البيان لم يكن موجها فقط للأمم المتحدة. بل حمل رسائل مضمرة:

للحكومة المؤقتة: أن استمرار الحصار سيقوّض مشروعها في الجنوب، وسيفقدها أي شرعية أمام المجتمع المحلي.

لـ “إسرائيل”: ترك السويداء بهذا الشكل قد يؤدي إلى فراغ يُملأ بتدخلات خارجية مقلقة.

للدروز في العالم: بأن مسؤوليتهم تجاه السويداء تتجاوز الدعم المالي، وتمتد إلى حماية الوجود والهوية.

نحو لحظة مفصلية:

من عملية “سهم باشان” العسكرية في 2024، إلى نداء “جبل الباشان” الروحي في 2025، يبدو أن السويداء تسير على حافة الانفجار. ليس فقط بسبب الجوع والحرمان، بل لأنها أصبحت مرآة تعكس فشل القوى السياسية في بناء سوريا جديدة.

إقرأ أيضاً: الهجري يوجه نداءً عاجلاً لفك الحصار عن السويداء: ما يجري إبادة ممنهجة بحق أبناء الجبل

إقرأ أيضاً: لجنة التحقيق الدولية: شهادات صادمة من السويداء والتحقيقات مستمرة

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.