أسعار السجاد تحلّق في سوريا.. والأهالي يبحثون عن “دفء مستعمل”
مع اقتراب فصل الشتاء، يشهد سوق السجاد في سوريا ارتفاعًا ملحوظًا في الأسعار، ما أثار تذمّر المواطنين الذين يسعون لتجهيز منازلهم لموسم البرد وسط أزمة معيشية متفاقمة.
تفاوت كبير في الأسعار وتراجع الإقبال
رصدت تقارير محلية تفاوتًا واضحًا في أسعار السجاد داخل أسواق دمشق، حيث بلغ سعر المتر الواحد من السجاد المحلي بين 150 و250 ألف ليرة سورية، بينما تجاوز سعر السجاد المستورد 400 ألف ليرة في بعض الأنواع ذات الجودة العالية.
وقال أبو حسن، صاحب محل لبيع السجاد في العاصمة، إن الأسعار ارتفعت بنسبة تتراوح بين 25 و30% مقارنة بالعام الماضي، موضحًا أن “تكاليف النقل والمواد الأولية وارتفاع سعر الدولار” كانت الأسباب الرئيسية للزيادة.
وأشار إلى أن الإقبال على شراء السجاد الجديد تراجع بنحو 40% هذا العام، نتيجة تدهور القدرة الشرائية للأهالي، إذ باتت معظم العائلات تبحث عن بدائل أرخص لتدفئة منازلها.
“دفء مستعمل” بدل الجديد
تقول سلمى، وهي ربة منزل من دمشق، إنها كانت تخطط لشراء سجادة جديدة لغرفة الجلوس، لكنها تراجعت بعد أن وجدت الأسعار “خارج نطاق المعقول”. وأضافت: “أصبح كثيرون اليوم يجددون السجاد القديم أو يشترون مستعملًا أو يكتفون بفرش بسيط”.
أما أبو محمد، الذي عاد مؤخرًا إلى منزله في ريف دمشق بعد 13 عامًا من التهجير، فيصف معاناته مع ارتفاع الأسعار بالقول: “حتى السجاد المستعمل لم يعد بمتناول اليد. نحن في بداية الشتاء ونبحث فقط عن شيء نضعه على الأرض”.
محاولات لإنعاش السوق
يحاول بعض المنتجين المحليين جذب الزبائن من خلال التقسيط والعروض الموسمية، خصوصًا عبر صفحات التواصل الاجتماعي، لكنّ هذه المبادرات لا تبدو كافية لتلبية الطلب المتزايد.
ويرى أصحاب محال في دمشق أن ضعف الإنتاج المحلي وتراجع الاستيراد الرسمي ساهم في ارتفاع الأسعار، إذ يعتمد السوق حاليًا على معروض محدود لا يغطي حاجة المواطنين، في ظل استمرار تدهور الليرة السورية وارتفاع تكاليف الكهرباء والنقل.
صناعة السجاد.. إرث يتراجع
عرفت سوريا صناعة السجاد منذ عقود طويلة، وكانت مدن مثل دمشق وحلب ودير الزور من أبرز مراكز إنتاجه يدويًا وآليًا، معتمدة على الصوف والقطن المحليين.
لكنّ الحرب وما رافقها من دمار للمعامل وهجرة للخبراء وانقطاع متكرر للكهرباء، أدت إلى تراجع حاد في هذه الصناعة، التي كانت تُعتبر من رموز الحِرف السورية.
اليوم، يواجه المنتجون صعوبات في تأمين المواد الأولية، بينما تتزايد المنافسة مع السجاد المستورد رغم كلفته المرتفعة. وتبقى محاولات إنعاش القطاع محدودة، رغم جهود بعض الصناعيين لإعادة تشغيل الورش والمعامل.
مبادرات صناعية وتحديات قائمة
في أيار/مايو الماضي، شكّلت غرفة صناعة دمشق وريفها لجنة لتنظيم معرض “موتكس”، أحد أبرز المعارض النسيجية في البلاد، بمشاركة رئيس القطاع النسيجي نور الدين سمحا وعدد من الصناعيين.
وفي أيلول/سبتمبر، انطلقت فعاليات معرض “خان الحرير – موتكس” بمشاركة نحو 220 شركة وطنية، وحضور أكثر من 400 مستثمر عربي وأجنبي، في خطوة هدفت إلى دعم التصدير وتنشيط القطاع النسيجي.
وخلال الافتتاح، قال وزير المالية محمد يسر برنية إن الصناعة النسيجية “قطاع أصيل وراسخ”، مؤكدًا أن النظام الضريبي الجديد يوفر إعفاءات وحوافز للمستثمرين بهدف تعزيز البيئة الاستثمارية ودعم الإنتاج المحلي.
بين الوعود والواقع
ورغم هذه الجهود، لا تزال الأسواق تعكس فجوة واسعة بين السياسات المعلنة والواقع المعيشي، إذ يبحث السوريون اليوم عن “دفء مستعمل” يعينهم على مواجهة الشتاء، في وقت ترتفع فيه تكاليف المعيشة وتضيق الخيارات أمام الغالبية العظمى من الأسر.
اقرأ أيضاً:بين مؤونة الشتاء وفتح المدارس: أعباء مضاعفة تخنق الأسر السورية