سورية وروسيا في مرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي
بعد مرور أكثر تسعة أشهر على سقوط نظام بشار الأسد، لا تزال العلاقات الاقتصادية بين سورية وروسيا مستمرة، وإن كانت تشهد مرحلة من إعادة التقييم. فبينما تحرص الحكومة السورية الجديدة على تنويع شركائها، تظل موسكو شريكًا استراتيجيًا لا غنى عنه في قطاعات حيوية مثل الطاقة والفوسفات والسيولة النقدية.
دعم روسي مستمر في قطاع الطاقة
يعد قطاع الطاقة حجر الزاوية في العلاقات بين البلدين. في عام 2025، واصلت روسيا تزويد سورية بالنفط ومشتقاته، حيث وصل نحو 350 ألف طن متري لدعم مصفاة بانياس وتشغيل محطات الكهرباء، مما ساهم في توفير الكهرباء لأكثر من نصف المدن الكبرى. هذا الدعم لم يقتصر على تأمين الوقود، بل ساعد في استقرار أسعار الطاقة وتوفير فرص عمل للكوادر المحلية. وتشير المفاوضات الجارية حول استثمارات محتملة بمليارات الدولارات في قطاع الطاقة والبنية التحتية إلى اهتمام موسكو المستمر بالمساهمة في إعادة إعمار سورية وتعزيز دورها الاقتصادي.
إعادة تقييم العقود وتنوع الشركاء
أحد أبرز مظاهر المرحلة الجديدة هو إعادة تقييم العقود المبرمة سابقًا. في قطاع الفوسفات، الذي تديره روسيا جزئيًا، ما تزال تحصل على 70% من عائدات الإنتاج. وتؤكد مناقصة بيع 175 ألف طن من الفوسفات في فبراير 2025 استمرار الاهتمام الروسي بهذا المورد الحيوي، مع وجود احتمالية لإعادة صياغة العقود لتكون أكثر مرونة.
وفي خطوة لافتة، ألغت الحكومة السورية عقد تطوير ميناء طرطوس بقيمة 500 مليون دولار مع الشركة الروسية “سترويترانسغاز” بسبب عدم تنفيذ التزاماتها، ووقعته مع شركة “موانئ دبي العالمية” الإماراتية التي تعهدت باستثمار 800 مليون دولار. كما ألغت الحكومة السورية الاتفاقيات مع روسيا لتطوير شبكة السكك الحديدية، وفضلت توقيع اتفاقية مع الصين، ما يدل على رغبة دمشق في تنويع مصادر التمويل وشركائها الاقتصاديين دون الإضرار بمصالح موسكو.
طباعة العملة وإلغاء اتفاقيات عسكرية
استمرار التعاون يشمل أيضًا طباعة العملة السورية. في مارس 2025، وصلت شحنات من العملة المطبوعة في موسكو لتلبية حاجة البلاد من السيولة. ومن المتوقع أن تستمر روسيا في طباعة العملة الجديدة، رغم محاولات دمشق البحث عن شركاء طباعة في دول خليجية وأوروبية.
في المقابل، شهدت العلاقات تراجعًا في الجوانب العسكرية، حيث ألغت الحكومة السورية الجديدة اتفاقية القاعدة البحرية في طرطوس، كما توقفت المفاوضات حول تطوير مطار اللاذقية الدولي، في خطوة تشير إلى رغبة دمشق في إعادة تقييم العلاقات الاستراتيجية مع موسكو دون قطعها بالكامل.
موازنة دمشق بين الشركاء
وفقًا للدكتور محمود الحمزة، الباحث في الشؤون الروسية، فإن سورية لا يمكنها قطع علاقتها بروسيا بشكل كامل، لأن موسكو ما تزال المورد الرئيسي للطاقة، خاصة في ظل استمرار العقوبات الاقتصادية. كما أن لروسيا دورًا دبلوماسيًا مهمًا في الاعتراف الدولي بالنظام الجديد. ويشير الحمزة إلى أن الحكومة السورية الجديدة توازن بين الانفتاح على شركاء جدد من دول الخليج وأوروبا، وبين الحفاظ على حصص روسيا القائمة. وقد زار وفد روسي رفيع المستوى دمشق في سبتمبر 2025 لمناقشة المساعدات الإنسانية واستعادة قطاع الطاقة، مما يؤكد استمرار أهمية روسيا كشريك استراتيجي.
اقرأ أيضاً:سورية والسعودية تتفقان على إنشاء محطتي كهرباء بالطاقة المتجددة