الشرع بين إعادة الإعمار ودمج الأقليات.. سوريا في مفترق طرق
بعد مرور تسعة أشهر على سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، لا تزال سوريا تعيش مرحلة انتقالية معقدة تحت قيادة الرئيس أحمد الشرع، الذي وصل إلى السلطة.
وبينما تسعى الحكومة الجديدة لإعادة بناء مؤسسات الدولة ورسم موقع سوريا في المشهد الإقليمي والدولي، يشير خبراء في المجلس الأطلسي إلى أن الطريق أمام دمشق لا يزال مليئاً بالتحديات، رغم وجود فرص حقيقية للانتقال نحو مرحلة جديدة.
هشاشة داخلية وتوترات أمنية
إبراهيم الأصيل، مدير مشروع سوريا في المجلس الأطلسي، يرى أن الوزارات المنهكة بفعل الحرب والعقوبات تُعاد صياغتها عملياً من الصفر، ويقودها خليط من التكنوقراط ورجال الأعمال السابقين الذين “تطوعوا لخدمة الدولة”. إلا أن التحديات تتجاوز البيروقراطية لتشمل هشاشة الشرعية، تصاعد أحداث العنف الداخلية، وتعقيدات المشهد الإقليمي.
ويؤكد الأصيل أن المسؤولين السوريين يعتبرون الاستقرار شرطاً لاحتواء داعش ومنع تفكك البلاد، لكن هذا الاستقرار يظل مهدداً بدعم خارجي لفصائل مسلحة، وتوترات مع قوات سوريا الديمقراطية، إلى جانب ضربات الاحتلال الإسرائيلي المتكررة.
معضلة دمج الأقليات
أما جوناثان بانيكوف، مدير مبادرة سكوكروفت للأمن في الشرق الأوسط، فيعتبر أن التحدي الأكبر أمام الشرع يتمثل في دمج الأقليات الدينية والعرقية ضمن إطار وطني موحّد.
ويشير إلى أن مكونات رئيسية مثل الدروز والعلويين والأكراد والمسيحيين ما تزال مترددة أو معارضة للحكومة الجديدة، خوفاً من التهميش أو فقدان الحقوق، محذراً من أن استمرار هذه الفجوات قد يقود إلى عنف طائفي يعطل مشروع الانتقال السياسي.
التحالف ضد داعش كمدخل للشرعية
أليكس بليتساس، رئيس مشروع مكافحة الإرهاب في المجلس، دعا دمشق إلى الانضمام للتحالف الدولي ضد داعش، مؤكداً أن ذلك سيعزز صورة الحكومة الجديدة باعتبارها منفتحة ومتسامحة، ويتيح لها الحصول على دعم تدريبي واستخباراتي. ويرى أن هذا التعاون قد يفتح الباب لشراكات اقتصادية أوسع ويجذب استثمارات ضرورية لإعادة الإعمار.
فرص إقليمية جديدة
من جانبه، يعتبر غيرشوم ساكس، نائب مدير مبادرة N7، أن أمام سوريا فرصة للتحول إلى “قوة إيجابية” في المنطقة إذا نجحت في استثمار اللحظة الراهنة. ويشير إلى أن حكومة الشرع تعمل على الحد من النفوذ الإيراني، تفكيك شبكات حزب الله، والسعي لاتفاق أمني مع “إسرائيل” قد يمهد لاحقاً لعلاقات طبيعية.
ويشدد ساكس على أن دعم الغرب ضروري، سواء عبر الاستثمار في الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا، أو من خلال شراكات طويلة الأمد. ويرى أن رفع العقوبات الأميركية في حزيران/ يونيو الماضي خطوة أولى، لكنها تحتاج إلى تعزيز بترتيبات اقتصادية وسياسية أوسع.
اقتصاد بين الطموح والقيود
وتوضح شهادات أخرى جمعها خبراء المجلس أن وزارة الاقتصاد السورية تسعى إلى إعداد “خريطة استثمارية”، وتشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص. غير أن غياب الشفافية يمثل عقبة رئيسية أمام جذب الاستثمارات.
تفاؤل مشوب بالحذر
ويخلص تحليل المجلس الأطلسي إلى أن مسار الانتقال في سوريا لا يزال في بدايته، حيث تسود في دمشق أجواء تجمع بين التفاؤل والحذر. فبينما تلوح فرص الانفتاح وإعادة بناء المؤسسات، تبقى المخاطر قائمة ما لم تنجح الحكومة الجديدة في تحقيق شراكة حقيقية مع الأقليات وتعزيز الاستقرار الأمني والاقتصادي الذي يمكّن البلاد من العودة إلى محيطها العربي والدولي.
اقرأ أيضاً:مجلة أمريكية: سياسات الشرع تهدد بدفع سوريا إلى حرب أهلية