عاد إعلام “المعارضة” للدوران في ذات الحلقات المفرغة، وهو أسلوب اتبعته معظم تلك الوسائل الناطقة بالسورية بتمويل خارجي. الأمر فعلياً ليس بجديد، الملفت فقط ما بدا واضحاً مؤخراً عبر تكثيفها لعمليات الضخ في سياق دعم ما تصفه “حراك السويداء” أو الانتفاضة الجديدة وغيرها من التوصيفات التي لا تستخدم أصلاً في أدبيات الشارع السوري، في محاولة منها لإحياء عظام ما يسمونها بالـ “ثورة”.
فعلياً الحراك الذي قُتل بدخول الإسلاميين والتكفيريين، وبحمل السلاح وتوجيهه إلى الدولة ولاحقاً إلى صدور السوريين المغايرين في الرأي والتوجه، لا يمكن ولا بأي حال من الأحوال إعادة إحياءه، حتى ولو كانت نسبة مؤيديه ما زالت كبيرة، المسألة بالنسبة للغالبية الشعبية في سورية اليوم هي عامل الأمان الذي لا يقدر بثمن ولا يعوّض في حال حاول البعض العودة إلى سيناريوهات الفوضى. وعليه كان التعويل خاطئاً بأن “فعاليات” السويداء ستنتج حراكاً عاماً، وأخطأت تلك الوسائل وداعموها في تقدير الموقف لناحية مشايخ العقل وما هي المواقف التي يمكن أن يتخذوها، والتي ساهمت لاحقاً في إجهاض ما كان يرسم للمحافظة الجنوبية.
كل ذلك حصل، وسط صمت من قبل الإعلام السوري الرسمي، صمت تم تحليله في سياقات خاطئة، وأن المؤسسات الإعلامية كانت عاجزة عن التبرير للسيناريوهات التي ستقوم بها الدولة وهي “العنف” حسب زعم صحفيي وسائل الإعلام في الخارج، معتبرين أن ما تم نشره من معلومات عن وجود جهات ستحاول استغلال الموقف في السويداء لتنفيذ عمليات تخريب، وتلقيها دعماً وتمويلاً قطرياً، هي أمر شبيه بالترويج لما يعرف بـ “خطة بندر” في بداية الحرب.
حقيقةً لم يكن مفاجئاً تأويل الصمت الرسمي إلى سيناريوهات كهذه، فيما كان هدفه غالباً الابتعاد عن سياسة التأزيم، على اعتبار أن كلمة “العقل” كانت قادرة على احتواء الموقف. وعلى الرغم من أن الإعلام السوري لم يكن صاحب المبادرة بالترويج للمعلومات الاستخباراتية تلك التي فضحت دور ما يسمى بحزب اللواء السوري، بل نشطاء وخبراء أمنيون، وابتعد بشكل كبير عن تداول أي معلومات قد تساهم في التأزيم، إلا أن البعض وفي سياق عمل ممنهج لضرب حقيقة تلك السيناريوهات، حاول الترويج على أنها من مصادر إعلامية سورية رسمية وبالتالي لا يجب على الناس تصديقها، وهذه الأسطوانة المشروخة ملّ الناس منها فعلياً.
وبدا مبهراً، كيف استطاعت وسائل إعلام ممولة تركياً وقطرياً التملص من مقالات وتقارير نشرت فيها معلومات عن دور لـ “قسد” في تحريك الجنوب السوري، وقبل أسابيع من بدء ما سمته “حراك السويداء” وتناست أنها هي أول من روج لتلك المعلومات أي حتى قبل تداول الموضوع في الأوساط السورية، وهذه الأسطوانة أيضاً ليست مستغربة، فتلك الوسائل لا تعمل وفق استراتيجيات وطنية، بل بناءً على مصلحة الممولين، ووفق اجتهادات بعض الإعلاميين والإعلاميات وإغراقهم في “السخرية” و”الفكاهة” التي تستهدف عقول البسطاء، ولا تنتج إعلاماً حقيقياً بأفضل الأحوال.
في السياق يتهم الإعلام السوري، بأنه يعيد توليد نفسه عند كل استحقاق، أي أنه يستخدم ذات الأساليب، ويغفل مروجو هذه التهمة أنهم أيضاً يعيدون انتاج ذات السيناريوهات ويستخدمون ذات المصطلحات ولديهم جملة من المحددات لا يخرجون عنها أبداً في الخطاب، حتى ملّت الخشبية من خشبيتهم، وجاء هذا الاتهام رغم أن الإعلام الرسمي لم يُجر إلى حيث يريدون في التطورات الأخيرة، فقالوا إنه يعمل ضمن مجموعات وخلايا لشيطنة الحراك في السويداء، ولم يوفروا كلمة في هذا السياق، فمن الذي يعيد توليد نفسه في هذه الحالة؟
وتواصل وسائل إعلام “المعارضة” سياسة دحرجة الروايات، فكل من عارض الفوضى بالنسبة لها مأجور وعميل لـ “النظام”، وكل من يرفض سياسة الاحتلالات، مستفيد من “السلطة”، وكل إعلامي أو إعلامية لا يرفع علم “الانتداب” خائن ولا مكان له في سورية المستقبل، وكل وسيلة إعلام لا تتفق وأدبيات خطابهم وسياساتهم، هي موالية لـ “النظام” واستخباراتية، وحبل التناقضات لا ينته عند إعلام “معارضات” الخارج.
ويحاول بعض الصحفيين والكتاب ومقدمي ومقدمات تلك القنوات، ترسيخ قناعات في عقول المتلقين، أن الدولة ورئيسها، هما الخصم الأساسي للناس في سورية، ولا تنفك تلك الوسائل عن اتباع سياسة التحريض بكل أوجهها وأساليبها، دون التفكير بالبدائل أو المصير المتوقع، لا بل تذهب لترويج أفكار عن أن الفوضى لا بد وأن تكون بديلاً عن الدولة حتى سقوطها، إلى حين الوصول إلى الحلم المنشود بالديمقراطية حسب فهمهم، فهل يعقل أن يسير أحد نحو هدفٍ طريقه مليء بالفوضى والدماء والدمار، وأن يكون الثمن دمار بلدٍ وقهر شعب بكامله، عندها لا تحملوا “النظام” مسؤولية ما حصل ويحصل بل من اختار “الفوضى” طريقاً.