بين ممر “بايدن” وحزام ” جين بينغ” هل ستتغير ملامح الشرق الأوسط؟
داما بوست | الهام عبيد
انتهت اجتماعات قمة العشرين التي استضافتها العاصمة الهندية نيودلهي، إلى توقيع مذكرة تفاهم بين الولايات المتحدة والسعودية والهند والاتحاد الأوروبي، تهدف لإطلاق مشروع “ممر اقتصادي” يبدأ من الهند وينتهي بأوروبا، مروراً بالشرق الأوسط.
ويهدف المشروع حسب التصريحات، إلى تعزيز النمو الاقتصادي والتعاون السياسي والتبادل التجاري بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، فضلاً عن مد خطوط أنابيب لتصدير الكهرباء والهيدروجين، وتوفير فرص عمل طويلة الأمد.
وجاء إعلان المشروع على لسان عدد من الزعماء المشاركين في القمة، على رأسهم الرئيس الأميركي “جو بايدن” وولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”.
ولم يحدد الزعماء جدولاً زمنياً لاستكمال المشروع، أو حتى كلفته وتمويله، إلا أن مسؤولي البيت الأبيض أكدوا أنه سيكون بديلاً حقيقياً لمشروع الصين الكبير المعروف باسم “مبادرة الحزام والطريق” وفقاً لما نقلته وكالة “رويترز”.
وفي هذا الإطار وجد الكاتب في الشأن السياسي “حيّان نيّوف” في حديث لـ “داما بوست” أن الرئيس الأمريكي “جو بايدن” حاول بشتى الطرق مواجهة مشروع “الحزام والطريق” الذي أطلقته الصين، ودعا لذلك في قمة مجموعة “السبع” التي عقدت في المملكة المتحدة عام 2021، لافتاً إلى أنه سعى لتجاوز العراقيل التي وقفت في طريقه حينها، سيما معارضة ألمانيا وإيطاليا لاستراتيجية المواجهة مع الصين في تلك الفترة.
ولفت “نيّوف” إلى أن إطلاق مشروع الربط الاقتصادي “الهندي ــ الشرق أوسطي ــ الأوروبي” على هامش قمة مجموعة العشرين، أعقب طرح واشنطن لمشاريع عديدة، في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية وأوروبا، تهدف جميعها للوقوف في وجه المشروع الصيني.
وعن اختيار الهند لإطلاق المشروع، قال الكاتب السوري.. إنها تمثل خامس أكبر اقتصاد في العالم وأول اقتصاد ناشئ، كما أنها عضو في منظمة “شنغهاي” ومجموعة “بريكس” وتحالف “كواد” الذي تقوده الولايات المتحدة إلى جانب استراليا واليابان، ما جعل التنافس على كسب العملاق الهندي أولوية بين دول الغرب الجماعي من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى.
وأضاف.. إن واشنطن عمدت على إطلاق المشروع من قمة العشرين التي تغيّب عنها الرئيسان الروسي والصيني، بعد أن نجحت قمة “بريكس” الشهر الماضي، في تحقيق اختراق مهم لدول الجنوب العالمي لصالح الصين وروسيا على حساب دول الغرب الجماعي، وهو ما أوحى بأن “بريكس+” كفيلة بأن تشكل بديلاً عن مجموعة “السبع” وعن مجموعة “العشرين” وتشجع العديد من الدول ذات الاقتصادات الكبيرة والناشئة بالتوجه للانضمام إليها.
ورأى “نيّوف” أن الهند هي الرابح الأكبر من مشروع “الممر الاقتصادي” كونها تسعى لممارسة دور عالمي استثنائي، ضابط ومانع لنشوء حرب باردة أو الوصول بالعالم إلى هيمنة قطبية، ونجحت عبر جمع دول من مجموعة “السبع” وأخرى من مجموعة “بريكس” بمشروع واحد، فضلاً عن أنها أحد أركان ممر “شمال ــ جنوب” الهادف لتعزيز النقل والتجارة بين روسيا وإيران والهند والقوقاز ودول آسيا الوسطى.
وربط “نيّوف” نجاح المشروع بإتمام الصفقة الكبرى التي يجري العمل عليها بين الرياض وواشنطن والمتمثلة بالتطبيع السعودي ــ الإسرائيلي، مبيناً أنه سيبقى محكوماً في محطات جغرافية عدة بنفوذ محور المقاومة، أقلّه في مياه الخليج وفلسطين المحتلة وشرق المتوسط.
فيما اعتبر أن مصر حليفة الولايات المتحدة الأمريكية ستكون واحدة من الدول المتضررة من “الممر الاقتصادي” كونها تمتلك أحد أهم المعابر المائية “قناة السويس” والذي جرى تجاهلها في المشروع، وبالتالي سيشهد الشرق الأوسط صراعاً وتوتراً جديداً في المرحلة المقبلة.
من جهته أكد الباحث المصري “أحمد فؤاد أنور” لـ “داما بوست” أن الصين تتحرك بحنكة وحكمة في تجنب الصراعات، لكن لديها رؤية واضحة أوصلتها إلى أنها باتت إحدى الدول العظمى، موضحاً أنها ليست عاجزة اليوم عن إبطال مشروع “الممر الاقتصادي” مستفيدة من ارتباطاتها الثقافية والصفقات المتنوعة في المنطقة سيما صفقات الأسلحة، فضلاً عن التعاون الاقتصادي المتمثل بـ “مجموعة البريكس” وما تم الاتفاق بشأنه حول استخدام العملات المحلية.
وعليه رأى “أنور” أن المشروع نظري إلى حد بعيد، ولو كان عكس ذلك لتم إطلاقه منذ فترة طويلة، من خلال الأردن ثم البحر المتوسط ثم مصر، وخصوصاً أنها بدأت بتعميق ميناء “العريش” ودشنت خط قطار سريع للربط بين البحر الأحمر والبحر الأبيض، لافتاً إلى أن إفريقيا لوحدها تعد أكبر عقبة في طريق المشروع نظراً للانقلابات المتعددة ضد النفوذ الغربي فيها.
ومن وجهة نظر “أنور” فإن المشروع لو خرج إلى النور لن يكون بالتأثير الذي يروج له اليوم، لوجود عوائق لوجستية وأمنية وإدارية تتمثل باجتيازه حدود عدد كبير من الدول عبر الطريق البري، فضلاً عن أن النقل البري لا يمكن أن يقارن بالنقل البحري في قدرته على نقل الحاويات.
وتعددت الآراء منذ إطلاق مشروع “الممر الاقتصادي” على هامش قمة العشرين، حيث رآه البعض الآخر خطوة استراتيجية خطيرة تتخذ لمصلحة الغرب والكيان الإسرائيلي، عبر دمج الأخير بالشبكة الاقتصادية الإقليمية والدولية، وتحويله إلى بوابة للشرق الأوسط، بعيداً عن قناة السويس المصرية وباب المندب في اليمن وكلاً من سورية ولبنان.
وهو ما فسر احتفاء رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” بالمشروع باعتباره تغييراً لملامح المنطقة وفق تعبيره، وذلك أثناء ظهوره في مقطع فيديو عبر منصات التواصل الاجتماعي السبت الماضي، بين فيه بالخرائط مسار المشروع وكيف أن “إسرائيل” ستكون محطة رئيسية فيه، على حد قوله.
وأضاف.. إن واشنطن اتصلت بـ “إسرائيل” قبل شهور عدة للمشاركة في المشروع، ومنذ ذلك الحين جرت “اتصالات دبلوماسية مكثفة لتحقيق هذه الانفراجة”، واصفاً إياه بـ “التعاون الأكبر في تاريخ الكيان.
ويبقى السؤال فيما إذا كان سينجح التعاون الهندي الغربي في ضرب الحلم الصيني، أم سينتج عن منتدى التعاون الدولي الثالث لمبادرة “الحزام والطريق” الذي يُعقد الشهر المقبل في العاصمة بكين، اتفاقات تحد من “الممر الاقتصادي” سيما أن الصين أكدت حضور 90 دولة في المنتدى، مع حلول الذكرى العاشرة على إطلاقه.