يرتبط الشتاء في ذهن الكثير من الأشخاص بمنزل معزول عن البرد، ونافذة تطل على مدينة يكسوها الثلج، أو بحيرة كبيرة في يوم ممطر، مع مدفأة تكسر برودة الطقس، ولكن الشتاء بالنسبة للكثير من السوريين، يرتبط “بالمعاناة” في تأمين وسيلة للتدفئة، ليستطيعوا من خلالها حماية الأطفال من أيام تصل درجات الحرارة فيها إلى ما دون الصفر، فبين مكيفات لا تعمل بسبب قلة التغذية الكهربائية و”صوبيات” لا تشتعل بسبب غلاء سعر المازوت حتى المدعوم منه وضعف القدرة الشرائية وعدم توفره، اضطر كثيرون منهم للتعديل على تلك “الصوبيات” وتحويلها من مازوت إلى حطب، على مبدأ الحاجة أم الاختراع.
ومع اقتراب موعد الشتاء، يبدأ الناس رحلة البحث عن الحطب، ليأخذ المواطن “منشاره وفأسه” في جولة تدوم لعدة ساعات بحثاً عن غصن يضرم ناراً فيه، تقيه مع أولاده من البرد، ورغم القوانين التي تنص بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وبغرامة من 500 ألف إلى مليون ليرة، إلا أنه لا خيار لدى البعض سوى المغامرة في سبيل الدفء، حتى صارت الحالة تحصل بكثرة ودرج على لسان كثيرين مصطلح “التحطيب” وهي كلمة ترمز إلى عملية البحث عن الحطب المناسب للتدفئة، وهي في بعض الحالات مهنة يعتمد عليها البعض أيضاً لبيع كميات من الحطب إلى غيرهم.
وفي السنة الماضية وصل سعر طن الحطب اليابس في الساحل إلى 500 ألف ليرة، ووصل في نهاية الشتاء إلى 700 ألف، بينما وصل في المناطق الداخلية كدمشق إلى أكثر من مليون ليرة، فيما كان سعر الكيلو للحطب اليابس بين بداية الشتاء وانتهائها من 500 ليرة إلى 700 ليرة، وأما الحطب الأخضر فقد كان سعره 300 ليرة سورية للكيلو، وحطب الزيتون نصف يابس 400 ليرة سورية.
وأما عن أجرة اليد العامة أو الشخص الذي يقوم بتقطيع الحطب بوجود منشار يعمل على البنزين، فقد كانت السنة الماضية 20 ألف ليرة، ويتم تسعيرها بحسب حجم سعة خزان الوقود الخاص بالمنشار، مضافاً إليها أتعاب العامل، وسعر ليتر من الزيت المحروق، والزيت هنا له مكان خاص في المنشار ويعمل على ترطيب الجنزير لحمايته من الانقطاع.
وعن الأسعار المتوقعة لهذا العام بحسب مصادر “داما بوست” فقد يصل طن الحطب اليابس في الساحل بين مليون ومليون ونصف، وأما في المناطق الداخلية قد يصل إلى مليوني ليرة، فيما ازدادت أجرة العامل لتصل هذا العام إلى حوالي 35 ألفاً على خزان وقود واحد، فيما وصل سعر البنزين من الكازية 8000 ليرة لليتر وفي السوق السوداء إلى 18 ألف ليرة وأحيانا يباع بـ 20 ألف ليرة، أي أن الأجرة ستكون مضاعفة.
في حين اشتكى عدد من أهالي القرى من قيام مجهولين أحيانا ومعروفين نافذين أحياناً أخرى بقطع الأشجار وتحميلها بـ “تركتور” وبيعها في السوق السوداء، دون استطاعة الأهالي إيصال الشكاوى إلى الجهات المعنية، بسبب خوفهم من حرمانهم من التحطيب ولو ضمن منطقتهم، وازدادت هذه الحالة بعد الحرائق التي تعرضت لها الغابات.
ووصل الحال السنة الماضية لشراء شوالات من ثياب البالة المهترئة، والتي أساساً أصحابها يعدونها للرمي لا للمتاجرة فيها، لكن بسبب فقر الناس وعدم قدرتهم على شراء وسائل تدفئة، اضطروا لشرائها وحرقها إما في “تنكة” أو في الصوبيات عوضاً عن الحطب والمازوت، ناهيك عن جمع الكرتون من النفايات وبقايا نشارة الخشب من محلات النجارة، فهل سنشهد هذا العام أساليب جديدة يستخدمها السوريون للحصول على بعض الدفء، أم أنه قد غلب الأمر عليهم، فلا الطقس يرحم، ولا صوتٌ يُسمع.
وإلى حين التوصل لحلول نهائية لأزمة التدفئة في الشتاء، يحذر الأهالي والنشطاء البيئيون من انعكاسات عمليات “التحطيب” العشوائي على المساحات الخضراء والأشجار المعمرة،وإلى حين التوصل لحلول نهائية لأزمة التدفئة في الشتاء، يحذر الأهالي والنشطاء البيئيون من انعكاسات عمليات “التحطيب” العشوائي على المساحات الخضراء والأشجار المعمرة، وحول هذا الموضوع وضح الناشط البيئي ومؤسس مبادرة لمسة خضرة البيئية هاشم منيف لـ “داما بوست” إن التحطيب الجائر سيزيد من الاحتباس الحراري الذي سوف يزيد من التيارات الهوائية الساخنة وتكرار القبة الحرارية التي مررنا فيها منذ فترة خلال السنوات السابقة، وفي أغلب بلدان العالم يكون التحطيب تحت إشراف الدولة، لحماية الأشجار النادرة والمثمرة والمهددة.