مؤتمر الحسكة: “قسد” تسعى لتكريس تحالف الأقليات وتعزيز مطلب اللا مركزية في سوريا

نظّمت قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في 8 أغسطس/آب 2025، مؤتمرًا سياسيًا في محافظة الحسكة تحت عنوان “وحدة الموقف لمكونات شمال وشرق سوريا”، بمشاركة ممثلين عن بعض العشائر العربية، إضافة إلى مشاركة افتراضية لزعماء دينيين بارزين، مثل شيخ العقل الدرزي حكمت الهجري ورئيس المجلس الإسلامي العلوي الأعلى غزال غزال، في خطوة حملت دلالات سياسية كبيرة.

مؤتمر الحسكة: دعوة صريحة لدولة لا مركزية ديمقراطية

خرج المؤتمر بمطالب واضحة في مقدمها إقامة دولة علمانية ديمقراطية لا مركزية، وتبنّى رؤية تعتبر قسد إطارًا تمثيليًا جامعًا لمختلف مكونات الشعب السوري، في مقابل مؤسسات الدولة السورية التي يُنظر إليها على أنها فقدت شرعيتها لدى العديد من الأطياف.

قسد تسعى لطرح نفسها بديلاً عن الجيش والحكومة السورية

من خلال المؤتمر، سعت “قسد” إلى تعزيز صورة البديل السياسي والأمني للحكومة والجيش السوريين، مستثمرةً الاشتباكات الدامية في السويداء مؤخراً، والتي أظهرت، بحسب مراقبين، عجز دمشق عن إدارة التنوع الطائفي والمناطقي. وعملت آلة “قسد” الإعلامية على تقديم نفسها كقوة منضبطة وشريكة موثوقة، خصوصاً بعد اتساع دائرة التوتر في الجنوب السوري.

يقول موقع “المدن” إن قسد حاولت تضخيم زخم المؤتمر، بالإشارة إلى أنه يضم ممثلين عن طيف واسع من مكونات سوريا، متجاوزًا في شعبيته وشرعيته مؤتمر الحوار الوطني الذي عقدته الحكومة السورية في فبراير/شباط الماضي.

الرهانات على مؤتمر باريس وتكتيك الضغط على دمشق

ويضيف الموقع: “كانت “قسد” تأمل في استثمار أحداث السويداء والتململ الشعبي في الجنوب السوري للدخول في مفاوضات مباشرة مع دمشق في باريس، لكن الحكومة السورية رفضت إعطاءها هذه الورقة السياسية، ما أدى إلى تأجيل المحادثات. في هذا السياق، يُفهم مؤتمر الحسكة كخطوة استباقية تهدف إلى تقوية أوراق “قسد” التفاوضية وفرض اللامركزية كأمر واقع”.

تقارب مع الدروز والعلويين… ومكاسب خارجية محتملة

من أبرز ما ميّز المؤتمر، الحضور الرمزي لزعامات دينية من الأقليات، وعلى رأسهم الهجري وغزال، ما يُعتبر، وفق مراقبين، تشكيل نواة تحالف أقليات سوري، قد يُعيد خلط الأوراق داخليًا وإقليميًا.

هذا التقارب مع الدروز المتحالفين مع “إسرائيل”، قد يعزز اتصالات “قسد” مع “تل أبيب”، التي تُعارض بقاء الحكومة السورية الحالية، وتتمتع بتأثير واسع في القرار الأميركي عبر جماعات الضغط. وقد تعوّل “قسد” على هذا النفوذ الإسرائيلي للضغط على إدارة ترامب بهدف وقف خطط تقليص الدعم الأميركي وانسحاب القوات الأميركية من شمال شرق سوريا.

رسالة مزدوجة إلى دمشق والإقليم

رسميًا، أدانت دمشق المؤتمر ووصفت المشاركين فيه بأنهم “يسعون لإحياء النظام السابق تحت مسمى اللا مركزية”، مؤكدة أن الحوار الحقيقي يجب أن يتم في دمشق وليس في الخارج. لكن بين السطور، يبدو أن الحكومة السورية تشعر بتنامي نفوذ “قسد” وشرعيتها أمام المجتمع الدولي، خصوصًا مع توسع قاعدة المشاركين في مشاريعها السياسية.

تكتل الأقليات… وخطوات تصعيدية محتملة

يرى المحلل السياسي محمود الماضي في تصريح لـ “المدن” أن “قسد تسعى لتأسيس تحالف أقليات ضد الدولة السورية”، مشيرًا إلى محاولات استقطاب دروز وعلويين وسريان لدعم مشروع الفيدرالية الكردية. ووفق توقعات الماضي، قد تتجه “قسد” لاحقًا إلى صياغة دستور خاص بها، في حال فشلت مفاوضاتها مع دمشق، معتبرة أن الظرف السياسي الداخلي والخارجي مناسب لـ”تصعيد سياسي مؤسساتي”.

غياب المجلس الوطني الكردي… وشرخ داخل البيت الكردي

رغم الحضور الطاغي لمكونات مختلفة، فإن غياب المجلس الوطني الكردي عن المؤتمر مثّل نكسة رمزية لـ”قسد”، التي تسعى لاحتكار تمثيل الأكراد. وقد علّق القيادي عبد الحكيم بشار على ذلك، قائلاً إن “قسد تسعى لزج الأكراد في مواجهة مع دمشق والمكوّن السني”، مضيفاً أن هذا المسار يُهدد مشروع سوريا الموحدة والمستقرة.

تمثيل ضعيف للعشائر العربية

من جهة أخرى، لم يشهد المؤتمر مشاركة وازنة من الزعامات العشائرية العربية، إذ اقتصرت الحضور على شخصيات ذات نفوذ محدود، وجرى ترويجها كـ”وجهاء” من قبل “قسد” وفق ما أكدته مصادر متقاطعة لـ “المدن”، في وقت سجلت انسحابات احتجاجية لبعض شيوخ العشائر مثل أكرم المحشوش، اعتراضًا على التهميش المتعمد، وفق مصادر ميدانية.

ويرى مراقبون أن غياب ثقل عشائري حقيقي في المؤتمر يعكس قلق العشائر من الدخول في مواجهة صريحة مع دمشق.

 

إقرأ أيضاً: مؤتمر الحسكة: شرعنة مطلب اللامركزية ورسم ملامح التوازنات السورية المقبلة

إقرأ أيضاً: مؤتمر وحدة الموقف: دلالات جغرافية وسياسية لوحدة الموقف السوري

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.