دمشق تصعّد: ملف الموقوفين السوريين في لبنان “خط أحمر”
تعلن الإدارة السورية الجديدة في دمشق، بقيادة الرئيس أحمد الشرع، أن ملف الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية يمثل “قضية كيانية غير قابلة للتنازل أو التأجيل”، مؤكدةً أنه شرط أساسي لأي تعاون سياسي أو اقتصادي مستقبلي بين بيروت ودمشق.
إنذار سوري وتلويح بخطوات تصعيدية
ووفق معطيات خاصة حصل عليها “تلفزيون سوريا”، عبّر رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، خلال استقباله وفداً من دار الفتوى في الجمهورية اللبنانية برئاسة مفتي لبنان الشيخ عبداللطيف دريان، عن استيائه الشديد من تلكؤ السلطات اللبنانية في معالجة هذا “الملف الإنساني”، مشيراً إلى أن لم يعد مقبولاً تجاهله.
وقد أبلغ الشرع الوفد الديني اللبناني أنه كلف وزير الخارجية أسعد شيباني، بزيارة بيروت في الأيام القليلة المقبلة خصيصاً لبحث هذا الملف، مشدداً على أن هذه الزيارة ستكون بمثابة “الفرصة الدبلوماسية الأخيرة” قبل أن تتخذ دمشق خطوات تصعيدية سياسية ودبلوماسية متدرجة ضد الحكومة اللبنانية.
وأكد الشرع أن معالجة قضية الموقوفين هي أولوية قصوى تسبق أي نقاش في ملفات التعاون أو إعادة العلاقات أو حتى مسارات اللاجئين.
مخاوف لبنانية من “ملف موازٍ” وتداعيات اقتصادية وإنسانية
من جهته، عبّر وفد دار الفتوى عن امتعاضه البالغ من طريقة تعامل السلطات اللبنانية مع قضية الموقوفين السوريين، لا سيما ما يتصل بالتوقيف العشوائي وسوء المعاملة والتمييز في آليات المحاكمة.
وحذر مفتو المناطق الشرع من أن الإهمال الرسمي اللبناني قد يفتح الباب أمام انفجار ملف آخر موازٍ، وهو ملف الموقوفين الإسلاميين اللبنانيين، الذي يضم قرابة 1500 سجين لا يزالون قيد الاحتجاز على خلفية دعمهم للثورة السورية أو مشاركتهم في إيصال مساعدات. كما ألمح الوفد إلى أن استمرار تجاهل هذا الملف قد يؤدي إلى تفجيره سياسياً داخل لبنان نفسه.
في ضوء هذا المناخ المتوتر، تدرس دمشق بالفعل خيارات تصعيدية تدريجية، قد تبدأ بتجميد بعض القنوات الأمنية والاقتصادية، ولا يُستبعد أن تُقدم لاحقاً على خطوات أكثر حدة مثل إغلاق المعابر البرية بين لبنان وسوريا، أو فرض قيود صارمة على مرور الشاحنات اللبنانية، أو حتى إعادة النظر في التعاون الأمني الحدودي المشترك.
تحذر مصادر سياسية لبنانية من أن هذا السيناريو، إذا تحقق، سيقلب المشهد السياسي والأمني رأساً على عقب. وعلى المستوى الاقتصادي، ينبّه الخبراء إلى أن أي تعطيل لحركة الشاحنات والأفراد عبر معبري المصنع والعبودية سيضرب الشرايين البرية التي يعتمد عليها لبنان في تصدير بضائعه. ويُظهر تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن إغلاق هذه المعابر سيخفض النشاط التجاري بنسبة تصل إلى 21% ويضاعف الخسائر في قطاعات الزراعة والبناء والسياحة.
أما على الصعيد الإنساني، فإن الحدود اللبنانية-السورية تشكل متنفساً رئيسياً لحركة العودة الطوعية للاجئين السوريين. وتشير تقديرات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إلى أن ما يفوق 628 ألف سوري عادوا عبر المعابر البرية بين ديسمبر 2024 ويونيو 2025، ما يجعل أي إقفال جديد مدخلاً لأزمة إنسانية مزدوجة.
مأساة سجن رومية: انتحار يعيد تسليط الضوء
في سياق متصل، شهد سجن رومية اللبناني حادثة مأساوية جديدة تمثلت بانتحار السجين السوري محمد فواز الأشرف شنقاً يوم الجمعة الماضية. هذا الحدث أعاد تسليط الضوء على الظروف اللاإنسانية في السجون اللبنانية التي يعيشها مئات الموقوفين السوريين، سواء بتهم جنائية أو سياسية.
وأفاد فريق “أنقذوا المعتقلين السوريين في لبنان” بأن الأشرف كان معتقلاً لأكثر من سنتين ونصف دون محاكمة، رغم تدهور حالته الصحية والنفسية. وتؤكد لجنة “أهالي سجناء لبنان” أن حالته ليست فريدة، بل تُجسّد معاناة شريحة واسعة من السجناء السوريين الذين يُحتجزون لفترات طويلة من دون إحالتهم إلى القضاء، ما يتسبّب بانهيارات نفسية وانتحارات متكررة.
وتطالب منظمات حقوقية الحكومة اللبنانية ببلورة “خطة طوارئ حدودية” تتضمن معالجة عاجلة لملف الموقوفين، وتنسيقاً أمنياً وسياسياً رفيع المستوى مع دمشق لتفادي خيار الإقفال، إضافة إلى مسار دبلوماسي مع الجهات الدولية المانحة لتأمين دعم مالي ولوجستي يحدّ من الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية المحتملة على لبنان.
إقرأ أيضاً: لبنان يدعو لتشكيل لجنة مشتركة مع سوريا لترسيم الحدود: التعقيدات تتجاوز الجغرافيا
إقرأ أيضاً: لبنان: دخول 150 مقاتلاً أجنبيًا عبر معبر تلكلخ وسط تحذيرات من نشاط إرهابي منسّق