هل تعود دمشق إلى طهران؟ رسائل مباشرة وتحركات إقليمية تعيد رسم خريطة التحالفات في سوريا

تعيش الساحة السورية خلال الأسابيع الأخيرة على وقع تطورات سياسية وعسكرية متسارعة، أثارت تساؤلات واسعة حول مستقبل علاقة السلطة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع مع طهران وحلفائها في المنطقة، في وقت تتصاعد فيه تحذيرات إسرائيلية من “خطر جهادي متنامٍ” على حدودها الشمالية.

رسالة مباشرة من دمشق إلى طهران:

كشفت مصادر إعلامية في طهران ودمشق أن دمشق وجّهت رسالة مباشرة إلى المسؤولين الإيرانيين، قادمة من الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع شخصياً، وليس عبر وسطاء، في خطوة تعكس رغبة واضحة في فتح قناة تواصل رسمية مع إيران.

وتأتي هذه الرسالة بعد أن طلبت السعودية من إيران وفق المصادر لعب دور مؤثر في الملف السوري، وتحديداً في منطقة الشرق.

تحذيرات من عودة محتملة إلى محور إيران:

أحد مؤسسي جبهة النصرة سابقاً، صالح الحموي المعروف بـ “أسّ الصراع في الشام”، تحدث عن لقاء جمع الشرع بشخصية فلسطينية محسوبة على محور إيران، ألمح خلاله الرئيس الانتقالي إلى أنه قد يعود للتحالف مع طهران إذا فشل في الحصول على الدعم الغربي الذي يطلبه.

هذه الإشارة، وفق محللين، تعكس حجم الضغط على السلطة السورية الانتقالية التي لم تتلقَّ أي دعم فعلي رغم الوعود العربية والغربية منذ سقوط نظام الأسد قبل عام.

قنوات تواصل غير معلنة عبر تركيا:

مصادر سياسية تحدثت عن وجود تواصل بين حزب الله اللبناني والسلطة الانتقالية السورية عن طريق أنقرة.

ويرى محللون أن الشرع “لا يملك ترف الخيارات”، وأن الانفتاح على إيران وحزب الله قد يكون الطريق الوحيد للحصول على دعم عسكري إذا اتجهت المنطقة نحو مواجهة مفتوحة مع “إسرائيل”.

إلا أن هذا الخيار يحمل مخاطره، إذ يدرك الشرع بحسب تقديرات الخبراء أن تقربه من إيران قد يجعله هدفاً محتملاً سواء عبر تخلي الأميركيين عنه أو عبر استهداف إسرائيلي مباشر.

لماذا تعمل تركيا والسعودية على إعادة وصل دمشق بطهران؟

يشير محللون سياسيون إلى أن التطورات الأخيرة تمثل واحدة من المرات النادرة التي تتقاطع فيها المصالح التركية والسعودية تجاه الملف السوري، إذ يدفع الطرفان كلٌ لأسبابه باتجاه إعادة ترميم العلاقة بين دمشق وطهران. فالسعودية، وفق مصادر دبلوماسية، أرسلت رسائل واضحة إلى إيران بضرورة لعب دور في شرق سوريا للمساهمة في تحقيق الاستقرار، بينما ترى تركيا أن انخراط إيران في التهدئة بين دمشق و«قسد» قد يخفّف من الضغوط الأمنية على حدودها. وبهذا، يجد الشرع نفسه أمام تقارب إقليمي غير مسبوق، قد يعيد تشكيل خريطة التحالفات في سوريا بطريقة لم تكن مطروحة قبل عدة أشهر.

“إسرائيل” تستعد لاحتمال مواجهة من جنوب سوريا:

نشرت صحيفة معاريف العبرية تقارير تفيد بأن “الجيش الإسرائيلي” يعيد رسم سيناريو “اختراق مفاجئ” من جنوب سوريا مشابه لهجوم 7 أكتوبر.

كما صرّح وزير الشتات لدى الاحتلال الإسرائيلي “عمحاي شيكلي” أن “الحرب لا مفر منها” بعد هتافات الجيش السوري الجديد الداعمة لغزة.

وتتحدث وسائل إعلام إسرائيلية باستمرار عن تنامي المنظومة الجهادية في سوريا، وتخوفها من إمكان تنفيذ هجمات ضد “إسرائيل”.

ويشير محللون إلى أن “إسرائيل” تعمل على تهيئة الرأي العام لحرب قد تكون موجهة نحو سوريا هذه المرة، أو على الأقل لشنّ غارات جوية واسعة ضد مواقع داخلها.

عام على سقوط الأسد… والوعود الدولية لم تُترجم:

بعد مرور عام على تولي الشرع قيادة المرحلة الانتقالية، لم تتلقَّ السلطة السورية أيّ دعم عربي أو غربي حقيقي، رغم التصريحات التي صدرت في أعقاب سقوط النظام.

وتؤكد مصادر سياسية أن معظم الدول تنظر إلى الملف السوري بمنطق المصلحة البحتة، لا المبادئ ولا التحالفات.

تركيا بين الحسابات المعقدة والخشية من مواجهة “إسرائيل”:

ورغم العلاقات المتوترة بين أنقرة و”تل أبيب” في الخطاب السياسي، إلا أن التجارة بين الطرفين لم تتوقف، بل ازدادت في بعض الفترات.

وتخشى تركيا وفق مراقبين أن تجد نفسها في مواجهة مباشرة مع “إسرائيل” إذا دخلت سوريا في صراع مسلح معها، وهو ما لا ترغب به أنقرة إطلاقاً.

هل يعود التحالف السوريالإيراني؟

في ظل هذه التعقيدات، هل تتجه سوريا مجدداً نحو تعزيز علاقتها مع إيران كحليف رئيسي لمواجهة أي صدام مع “إسرائيل”؟

المعطيات الحالية تشير إلى الآتي:

1- الشرع يرسل أول رسالة مباشرة إلى إيران منذ توليه الحكم

2- السعودية تشجع طهران على لعب دور في الشرق السوري

3- واشنطن لا تقدم دعماً حقيقياً للسلطة الانتقالية

4- “إسرائيل” تستعد لعمل عسكري محتمل

5- تركيا تفضّل تجنب المواجهة

هذه العناصر تدفع مراقبين للاعتقاد بأن سوريا قد تضطر واقعياً إلى الاقتراب من إيران مجدداً، ليس رغبةً بل حاجةً استراتيجية لمواجهة النفوذ الإسرائيلي المتزايد في الجنوب.

طرق الشرع… إلى أين؟

بين الضغوط الدولية، وغياب الدعم، والتصعيد الإسرائيلي، والتنافس الإقليمي، يقف أحمد الشرع أمام مفترق طرق صعب: إما أن يذهب شرقاً نحو إيران، أو يبقى معلقاً بين وعود الغرب ومخاطر أن يكون الهدف القادم في لعبة النفوذ.

ومع اقتراب المنطقة من احتمالات حرب مفتوحة، يبدو أن مسار دمشق نحو طهران لم يعد مستبعداً… وربما يكون الطريق الوحيد المتبقي أمام السلطة الانتقالية.

إقرأ أيضاً: روسيا تسعى لتثبيت نفوذها الاستراتيجي في سوريا بعد عام على التغيير السياسي

إقرأ أيضاً: دمشق الجديدة وقسد: هل هو دمجٌ فعلي أم ترويض محسوب؟

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.