الاستثمار النفطي في سوريا بين العقود الجديدة ومخاوف الاحتكار
مع تزايد الاهتمام الإقليمي والدولي بقطاع النفط والغاز في سوريا، تتسارع خطوات الحكومة السورية لإبرام عقود ومذكرات تفاهم مع شركات استثمارية عربية وغربية، في وقت يبدي فيه مستثمرون تحفظات تتعلق بالبيروقراطية وغياب القنوات الرقمية الواضحة، إلى جانب مخاوف من حصر العقود بجهات محددة. وفي المقابل، تؤكد الجهات الرسمية أن السوق مفتوح بالكامل، وأن الاختيار يتم وفق معايير فنية ومالية واضحة دون أي احتكار.
بيروقراطية تعرقل انطلاقة الاستثمارات
يقول المستثمر السعودي أحمد المعجل، العامل في مجال النفط والغاز، إن بيئة الاستثمار في سوريا كانت شديدة التعقيد قبل ستة أشهر، لكنها بدأت تشهد تحسناً نسبياً خلال الأسابيع الأخيرة مع تأسيس الشركة السورية للبترول (SPC) من قبل وزارة الطاقة، ما ساعد على تسريع تسجيل الشركات الخاصة وتسيير أعمالها.
ورغم هذا التطور، يشير المعجل إلى أن البيروقراطية ما تزال واحدة من أكبر التحديات، متسائلاً عن أسباب بطء اتخاذ القرارات المتعلقة بإطلاق مشاريع النفط والغاز في بلد يحتاج – بحسب وصفه – إلى خطوات سريعة لإعادة تشغيل الحقول القديمة والجديدة.
ويؤكد أن العوائق المفهومة في مناطق شرق الفرات الخاضعة لسيطرة “قسد” لا يجب أن تمنع البدء الفوري في المناطق الأخرى القابلة للعمل، وأن الشركات العالمية مستعدة للتحرك لكن تحتاج إلى قرارات حكومية أكثر سرعة ووضوحاً.
كما كشف عن تخوف من وجود احتكار غير معلن في قطاعات مثل خطوط الأنابيب والمصافي، رغم تأكيدات الحكومة بعكس ذلك. ويقول إن شركات عديدة قدمت مشاريع وتمويلاً قبل أشهر، لكن الردود كانت “أقل من المتوقع”، معتبراً أنه كان من المفترض أن تكون الحكومة أكثر استعجالاً في قبول هذه الفرص.
واقترح المعجل إنشاء رابط إلكتروني مباشر بين وزارة الاقتصاد السورية ووزارة التجارة السعودية لتسهيل المعاملات والتواصل، واعتبر الرقمنة خطوة أساسية لجذب المستثمرين.
الحاجة إلى منصة رقمية واضحة
المستثمر السعودي سفيان العزي شارك الرأي ذاته، مشدداً على أن الخطوة الأولى لجذب الشركات الأجنبية تبدأ من إتاحة منصة إلكترونية متكاملة تتيح معرفة الأوراق المطلوبة بدقة، والتركيز في البداية على المستندات الأساسية فقط، وتأجيل الطلبات الثانوية لحين انطلاق الأعمال.
وأشار إلى وجود تحسن في الإجراءات، لكنه دعا إلى تبسيط التشريعات بشكل أكبر لتسهيل دخول الشركات الراغبة في الاستثمار.
الحكومة تنفي وجود حصرية: السوق مفتوح أمام الجميع
من جانبه، أكد الرئيس التنفيذي للشركة السورية للبترول يوسف قبلاوي في تصريح لـ”هاشتاغ” أنه لا وجود لأي احتكار، وأن العقود التي وُقعت مؤخراً لا تمنح أي جهة حقوقاً حصرية.
وأوضح أن العروض تصل من شركات متنوعة، ويتم اختيار “الأنسب” وفق معايير واضحة تعتمد على الكفاءة الفنية والشروط المالية.
جاءت هذه التصريحات خلال توقيع الشركة السورية للبترول أربعة عقود استراتيجية مع مجموعة من أكبر الشركات السعودية العاملة في مجال خدمات النفط والغاز. وأشار قبلاوي إلى أن هذه العقود جاءت بعد مرحلة تفاهمات سابقة، وأن الشركات السعودية كانت أول من بادر إلى تحويلها لاتفاقيات رسمية.
كما كشف عن مباحثات جارية مع شركات أمريكية وإماراتية وقطرية استعداداً لتوقيع عقود جديدة، مؤكداً أن التواصل الإلكتروني بات جزءاً أساسياً من تعاملات الشركة.
عقبات شرق الفرات… وآمال بتسوية قريبة
مدير إدارة متابعة الحقول النفطية في الشركة، رياض الجوباسي، شدد على تقدير الشركة لحماسة المستثمرين، لكنه أشار إلى وجود “نقطة حساسة” تتعلق بالحقول الواقعة خارج سيطرة الحكومة، حيث تتركز معظم الشركات الراغبة بالعمل.
وأعرب الجوباسي عن أمله في التوصل إلى تسوية قريبة مع “قسد” تتيح بدء الأعمال بوتيرة أسرع مما كان متوقعاً، خاصة أن الحقول الواقعة في المنطقة الوسطى غرب الفرات تعمل حالياً بطاقة متوسطة وتحتاج إلى تطوير ورفع إنتاجيتها.
كما كشف عن اهتمام خمس شركات إيطالية بالدخول في مشاريع إعادة تأهيل البنية التحتية لخطوط النفط والغاز ومحطات التكرير، مؤكداً أن هذه الشركات ستلعب دوراً في إعادة إحياء القطاع النفطي السوري.
تظهر مجمل التصريحات والآراء أن القطاع النفطي في سوريا يقف عند مرحلة مفصلية تجمع بين الفرص الكبيرة وضرورة مواجهة تحديات البيروقراطية، وغياب القنوات الرقمية، وتعقيدات الجغرافيا السياسية. وبينما تطمئن الحكومة إلى أن السوق مفتوح أمام الجميع، يطالب المستثمرون بخطوات أكثر سرعة ووضوحاً لضمان انطلاقة حقيقية للاستثمارات في المرحلة المقبلة.
اقرأ أيضاً:سورية والسعودية تتفقان على إنشاء محطتي كهرباء بالطاقة المتجددة