هل يتحول جيش سوريا الحرة إلى الذراع العسكري للبنتاغون في سوريا
تشير التطورات الأخيرة المحيطة بـ”جيش سوريا الحرة” إلى أن واشنطن لم تتخلَّ بعد عن هذه القوة التي أسستها ودعمتها لسنوات، بل تعمل على إعادة توظيفها ضمن إطار جديد يتناسب مع أولوياتها في المرحلة الراهنة، لاسيما في ظل الحديث عن تقليص التواجد الأميركي في سوريا.
فبعد أن استمر التمويل الأميركي للقوة حتى الأشهر الماضية، أُعلن عن دمجها رسميًا في وزارة الدفاع السورية تحت اسم “الفرقة 70”، قبل أن تُنقل تبعيتها إلى وزارة الداخلية تحت مظلة فرع أمن البادية، وهو ما يُظهر — بحسب مراقبين — تحولها من فصيل شبه مستقل إلى وحدة رسمية ضمن هيكل الدولة السورية، مع احتفاظها بدور محوري في مكافحة تنظيم “داعش” في البادية.
من “جيش جديد” إلى ذراع أمنية
تأسس “جيش سوريا الحرة” عام 2015 تحت اسم “جيش سوريا الجديد”، ثم تحول لاحقًا إلى “مغاوير الثورة”، قبل أن يستقر على تسميته الحالية. وعلى مدى سنوات، شكّل هذا الجيش أحد أبرز الفصائل المدعومة امريكياً انطلاقًا من قاعدة التنف الواقعة على المثلث الحدودي السوري-العراقي-الأردني.
ومع التغييرات السياسية والعسكرية الأخيرة في البلاد، كان “الجيش” من أوائل الفصائل التي أعلنت تبعيتها للحكومة السورية الجديدة بعد سقوط النظام السابق، ليدخل منذ ذلك الحين في مرحلة جديدة من الاندماج المؤسسي.
يقول مدير شبكة تدمر الإخبارية محمد حسن العايد، في حديث لموقع المدن، إن المعلومات المتداولة حول تبعية الجيش لوزارة الداخلية “صحيحة تمامًا”، مشيرًا إلى أن القوة تنسق اليوم بشكل مباشر مع فرع أمن البادية في تدمر وتدير قطاعًا واسعًا من المنطقة.
ويضيف العايد أن هذا الاندماج “ليس شكليًا، بل فعلي”، موضحًا أن استمرار تمركز القوات في البادية مرتبط بطبيعة تدريبها وتسليحها، إذ خُصصت منذ تأسيسها لمواجهة “داعش”.
ويتابع أن التنسيق بين الجيش والحكومة السورية يتم بعلم ودعم من واشنطن، في إطار ما وصفه بـ”الخط العام الذي يعتمده الأميركيون اليوم لتشجيع حلفائهم على التنسيق مع رأس السلطة في دمشق”، مرجحًا أن تتوسع مهام هذه القوات في الفترة المقبلة لتكون القوة الأساسية في ملاحقة خلايا التنظيم المنتشرة في البادية.
رأس حربة لمهام خاصة
تعتبر واشنطن “جيش سوريا الحرة” أحد أهم الأذرع المحلية في ملف مكافحة الإرهاب. فالقوة تمتلك، وفق مصادر ميدانية، بيانات دقيقة حول تحركات قيادات التنظيم وخلاياه النشطة، إلى جانب سجل طويل من العمليات السابقة ضد “داعش”.
ويمنحها هذا السجل، وفق العايد، موقعًا فريدًا يسمح لها بالعمل كقوة وسط بين دمشق وواشنطن، في ظل تراجع الوجود الميداني للتحالف الدولي.
أما الكاتب والأكاديمي أحمد الكناني فيرى أن الجيش يتمتع بجاهزية عالية بفضل التدريب الأميركي المتقدم الذي تلقاه خلال السنوات الماضية، إضافة إلى “نقائه التنظيمي”، على حد تعبيره، إذ يخلو من العناصر ذات الخلفيات الجهادية التي وجدت طريقها إلى صفوف الجيش السوري النظامي أو بعض الفصائل الأخرى.
ويشير الكناني إلى أن السفير الأميركي توم باراك لعب دورًا شخصيًا في التوسط لدمج “جيش سوريا الحرة” ضمن الحكومة السورية، مع الإبقاء على إشراف القيادة المشتركة للتحالف عليه في ما يتعلق بمهام مكافحة الإرهاب.
ويضيف أن هذا التنسيق يعكس تمسك البنتاغون بجهوده السابقة في تدريب الجيش وتسليحه، مؤكدًا أن التحركات الأخيرة، وخصوصًا العملية التي نُفذت مؤخرًا في منطقة الضمير، تظهر أن الجيش أصبح يقوم بمهام خاصة بإشراف مباشر من وزارة الدفاع الأميركية.
ويذهب الكناني إلى أن هذه القوات مرشحة لأن تكون النواة الأساسية لوحدة مكافحة الإرهاب المشتركة التي جرى التطرق إليها ضمن اتفاق آذار/ مارس الماضي بين مظلوم عبدي والرئيس الانتقالي أحمد الشرع، معتبرًا أن هذه التطورات “تندرج في إطار خطة أوسع لتقليص الوجود الأميركي المباشر واستبداله بقوى محلية مدربة”.
قلق سوري رغم الاندماج
على الرغم من إعلان دمشق دمج “جيش سوريا الحرة” ضمن مؤسساتها الرسمية، إلا أن حالة من التحفظ والقلق ما زالت تلازم موقفها من هذه القوات. فالحكومة تدرك أن الجيش ما زال يحظى برعاية مباشرة من واشنطن، وأن إشراف البنتاغون على نشاطاته لا يزال قائمًا، ما يثير مخاوف من أن يتحول في مرحلة ما إلى أداة نفوذ أميركية داخل الجهاز الأمني.
ويؤكد الكناني أن الجانب الأميركي حرص على طمأنة القيادة السورية خلال مراحل الدمج، موضحًا أن العملية تمت “بشكل قانوني وتحت سقف الدولة السورية”، وأن استقلالية الجيش في بعض المهام “لا تعني خروجه عن السيطرة الحكومية”.
لكن رغم هذه التطمينات، يرى مراقبون أن دمشق تتابع الملف بحذر، خاصة في ظل الجمود الذي يعيشه ملف قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وما يمثله من عامل توتر إضافي في العلاقة بين الطرفين.
في المقابل، يعتقد آخرون أن انضمام سوريا رسميًا إلى التحالف الدولي قد يسهم في تبديد هذه المخاوف، ويفتح الباب أمام شراكة أمنية أوسع تُعيد صياغة العلاقة بين دمشق وواشنطن على أسس جديدة.
بين التنسيق والرهان
في ضوء هذه المعطيات، يبدو أن “جيش سوريا الحرة” يمر بمرحلة إعادة تعريف لدوره ووظيفته. فبعد أن كان فصيلاً معارضًا ذا طابع محلي، أصبح اليوم جزءًا من المنظومة الأمنية السورية، وفي الوقت نفسه أداة تراهن عليها واشنطن للحفاظ على حضورها غير المباشر في البلاد.
وبين مسار الاندماج الوطني والمهام الخاصة التي يتولاها تحت إشراف البنتاغون، يبقى السؤال مفتوحًا:
هل يتحول “جيش سوريا الحرة” إلى رأس حربة في استراتيجية امريكية في المنطقة، أم أنه مجرد ورقة توازن بين دمشق وواشنطن في صراع النفوذ داخل البادية السورية؟
اقرأ أيضاً:رويترز: سوريا تحبط محاولتين لاغتيال الشرع