بوابات العزلة واستبيانات الاختراق .. الوجه الخفي لاحتلال إسرائيل لجنوبي سوريا

داما بوست -ناصر علي

يبدو للوهلة الأولى أنّ المشهد الميداني الذي ترسمه “إسرائيل” في جنوبي سوريا، بعد سقوط نظام الأسد، يقتصر على العامل الأمني والعسكري، بتدرّج استخدام القوة الظاهرة، عبر التوغلات اليومية، والطلعات الجوية، ونصب الحواجز، لكن واقع الحال يحمل معه مؤشرات زحفٍ صامت للاحتلال، يرسم معه واقع جديد أحادي الجانب يحقق لـ “إسرائيل” مكاسب مؤجّلة.

خلال الفترة الماضية، انتقل الفعل الإسرائيلي من الهدف الأمني للهدف السياسي والاجتماعي، بمعنى آخر، لتحقيق هدف سياسي عبر المجتمع. حيث باتت التوغلات أداة لفرض واقع ترهيب وجمع معلومات استخبارية عن الأفراد وحركة السكان، وإقامة البوابات لفصل القرى عن بعضها، كما حصل، بعد إقامة بوابة حديديّة صفراء في الصمدانية الغربية بالريف الجنوبي للقنيطرة لقطع الطريق الواصل بينها وبين الحميدية، وإجبار السكان على قطع مسافة لا تقلّ 4 كم للوصول إليها، فضلاً، عن منعهم من الاقتراب من مزارعهم التي تقع بالقرب من قواعد عسكرية مستحدثة، وتحديد ساعات العمل فيها وفق لائحة بيانات دقيقة تشمل أسماء المزارعين ورعاة الأغنام، في مشهدٍ يحمل معه تحكّمًا إسرائيليًا دقيقًا في مفاصل الحياة المعيشية التي تتغذى من أعمال الزراعة ورعاية المواشي

شرعت “إسرائيل”، بعد سقوط النظام إلى جمع استبيانات من سكان القنيطرة، وهي، وإن التقت في طبيعة الخوارزمية المستجمَعة، إلا أنها تجد نشاطًا في مناطق دون أخرى، لا سيّما في القرى التي تقع ضمن مجال العمل الحيوي لقوات الاحتلال الإسرائيلي، وفي مقدّمتها الحميدية بريف القنيطرة الأوسط، التي أنشأ جيش الاحتلال فيها نقطةً طبيّةً، يعمل فيها أطباء أجانب بإدعاء انتمائهم لمنظمة “أطباء بلا حدود”، وتعمد الأخيرة، وفق طبيعة المكوّن الاجتماعي المقيم هناك، إلى كسب ودّ أهالي الحميدية بالرعاية الصحية، وتقديم ألعاب للأطفال. وكان جندي إسرائيليّ قد نشر قبل فترة مقطع فيديو وهو يلاعب أطفالًا من القرية، وظهر من المكان الذي أقيمت فيه النقطة الطبّيّة أي في الحميدية.

وفي هذا السياق، قال “أبو محمد”، وهو من وجهاء قرية الحميدية لـ “داما بوست”، إنّ استبيانات الاحتلال تشمل أسئلة عدّة، موجهة لأرباب الأسر حول عدد أفراد العائلة، حالتهم الصحية، الأمراض التي يعانون منها، أوضاعهم الاقتصادية، أعمالهم، مؤهلاتهم العلمية، واحتياجاتهم الأساسية والغذائية، ويردف، كما يتم تصوير هويات البالغين باستخدام أجهزة محمولة مثل لوحات إلكترونية وأجهزة حواسيب محمولة، بذريعة جمع البيانات الإحصائية لتقديم المساعدات العينية. ويلتقي معه في هذا المعطى، ناشط شاب من القنيطرة (امتنع عن ذكر اسمه)، بالقول، إنّ قوات الاحتلال، تقوم أثناء إقامة الحواجز على مداخل القرى بتصوير وجه كل شخص وتفتيش هاتفه المحمول، وتركّز أيضًا على معرفة الناشطين في المجال الصُّحفي وتحقّق معهم عند اعتقالهم.

يلفت “أبو محمد”، إلى أنّ “إسرائيل”، عمدت مؤخًرا، على محاولات اختراق المجتمع بتوزيع المساعدات العينية، إذ يجد بعض الأهالي مساعدات غذائية على أبواب منازلهم، بشكل شبه دوري، بهدف خلق التآلُف، لكن الأهالي ما زالوا يرفضونها، بالمقابل، يكون الجهد الإسرائيلي في المناطق التي لا تقع تحت سيطرته المباشرة، مكثّفًا، ويكون الجذب عبر المساعدات أكبر، يضيف “أبو محمد”، كما هو الحال، في قرى بئر عجم، بريقة، العشا، والأصبح، يحاول الاحتلال باستمرار جذب الأهالي، لكنهم يجدّدون رفضهم المساعدات وإحراقها.

لا تُنسَخ الحالة نفسها، في حضر، المنطقة ذات المكون الدرزي، إذ تأخذ المساعدات شكًلا آخر، ليكون نقديًا، حيث تحصل كل أسرة هناك، بحسب معلومات “داما بوست” على مبلغ شهري قدره 450 دولاراً، يحتسب طبقًا لعدد أفراد الأسرة، وفق بيانات دفتر العائلة.

تغدو مع هذا السلوك، حالة فتق المجتمع وإلهاب مكوّناته، جزءًا من استراتيجيّةٍ أوسع تهدف لتحصين اجتماعي يمهّد لخلق فكرة القَبول بالاحتلال، من مدخلي الترغيب تارةً، والترهيب تارةً أخرى، فسلاسل تدخّل “إسرائيل” في سوريا، ليست رسمًا لحدود القوة وصياغة الواقع الجديد فحسب، بل محاولةً لجعل طريق مخططاتها سالكًا من باب المجتمع والرأي العام إما خوفًا أو رغبة.

إقرأ أيضاً: احتلال ناعم: بوابات إسرائيلية تفصل قرى القنيطرة عن سوريا

إقرأ أيضاً: قرية الأصبح في القنيطرة.. تهميش مزمن واستغلال إسرائيلي وسط غياب الدولة

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.