داما بوست – مارينا منصور| يصادف اليوم 10 تشرين الأول اليوم العالمي للصحة النفسية، ومع تزايد مشاغل الحياة وهمومها، لا نولي صحتنا النفسية الاهتمام الكافي، فما مقدار تأثير صحتنا النفسية علينا؟
كشفت الاختصاصية النفسية رانيا مهنا أن أهمية الصحة النفسية تكمن بمساعدة الشخص على عيش حياته على أكمل وجه وبإنتاجية، فضلاً عن كونها تقلل من إصابته بمجموعة واسعة من الأمراض الجسدية والنفسية.
هل يؤدي تراجع الصحة النفسية إلى أمراض جسدية؟
أوضحت مهنا أن الصحة النفسية لها تأثير كبير على الصحة الجسدية، وإهمالها يزيد احتمال الإصابة بأمراض عديدة قد تكون خطيرة، منها أمراض القلب والسكري، كما أن الصحة النفسية الجيدة تساعد بالشفاء من الأمراض العضوية.
وقالت الاختصاصية النفسية: “إن اضطرابات الصحة النفسية تؤثر على جودة نومنا، ويمكن أن تسبب الأرق وقلّة ساعات النوم، لذلك يعد تحسين الصحة النفسية معززاً لجودة النوم.”
وأضافت: “اضطراب الصحة النفسية يُحدث انخفاضاً بمستوى الطاقة واستنزافاً لها، ما يؤدي إلى شعور متواصل بالتعب والإنهاك الذي لا يتوقف إلا مع علاج المشكلة أو الاضطراب النفسي.”
وبيّنت مهنا أن الصحة النفسية تساعد على تجنب العلاجات السلبية، لأن اضطراب الصحة النفسية في بعض الحالات يؤدي إلى اللجوء لعادات سلبية بهدف التعامل مع الأعراض النفسية المزعجة، ومن هذه العادات التدخين أو استخدام الأدوية المهدئة دون استشارة الطبيب.
كيف تنعكس الصحة النفسية الجيدة علينا؟
أكدت الاختصاصية النفسية أن الصحة النفسية الجيدة تجعلنا نتعامل بشكل صحيح مع الصعوبات والعقبات التي نواجهها، وتجعلنا ننظر لها بمنظور أكثر تفاؤلاً أو واقعيةً، ما يدفعنا لتجاوزها بطريقة صحية دون أن تؤثر على حياتنا أو إنجازاتنا.
وتابعت: “كما تدفعنا للتعامل مع التغييرات الحياتية عند تعرضنا لأي حدث يؤدي إلى تغيير جذري في الحياة، كالزواج أو ترك العمل أو الانتقال لعمل آخر، وهنا تبرز أهمية الصحة النفسية بالمساعدة على التعامل مع التغييرات وتجاوزها دون أضرار نفسية.”
وذكرت مهنا أن الصحة النفسية الجيدة تحفز على زيادة الإنتاجية والتعامل مع مهام العمل بطريقة أكثر يسراً، لأن تراجع الصحة النفسية يؤدي إلى ضعف الإنتاجية، كتأخير تسليم مهام العمل أو الشرود أو ضعف التركيز أو النسيان، أو حتى أخذ إجازات مرضية أكثر.
وأشارت الاختصاصية النفسية إلى أن الصحة النفسية الجيدة تساعدنا على تحسين علاقاتنا مع الآخرين، لأن الصحة النفسية السيئة تؤدي إلى مضاعفات عديدة تؤثر سلباً في العلاقات مع الآخرين، كاللجوء إلى الانعزال، وهو عرض موجود بكل الاضطرابات النفسية تقريباً.
وأكملت: “وتدفعنا إلى تحسين نمط الحياة، والوقاية من حدوث تغيّرات بالوزن، فعادةً مَن يعاني اضطرابات نفسية يقل اهتمامه بممارسة الرياضة واختيار الغذاء الصحي، ما يؤدي إلى زيادة الوزن أو انخفاضه بطريقة ملحوظة.”
الصحة النفسية في ظل الحرب الراهنة
ولفتت مهنا إلى أن الاهتمام بالصحة النفسية في الوقت الراهن أصبح أكثر إلحاحاً وأهمية من قبل، بسبب معاناة بلدنا والأزمات التي لا تنتهي، كأزمة الحرب ومخلّفاتها، مشيرةً إلى أن المشاهد العنيفة – حتى لو كانت في بلدان أخرى – تعود الآن إلى الواجهة، وتدفعنا لتذكّر ما عشناه سابقاً.
وقالت الاختصاصية النفسية: “أحداث الحرب الآن تؤثر علينا، والذاكرة الكامنة تخزن كل المشاهد العنيفة التي قد تؤثر على الفرد بطرق عدة، منها الشعور بالاكتئاب والشعور بالقلق، فحتى لو ارتفعت عتبة الألم لدينا إثر ما شهدناه سابقاً، هناك شعور يتخزّن، ما يؤثر علينا بعدة نواحي.”
وتحدثت مهنا عن أنه من ملاحظتها، هناك عدة حالات تتفعل لديهم أعراض الصدمة القديمة عند رؤية مشاهد تذكرهم بما حدث من قبل، لافتةً إلى أننا أحياناً نألف مشاهد الحروب والعنف، فمخلفات الحرب بدأت بالظهور، وتتم ملاحظتها من زيادة نسبة الجرائم والاعتداءات على الأطفال بشكل كبير.
وأردفت: “ومن هنا تنبع أهمية تحسين الصحة النفسية، وضرورة تفريغ مشاعرنا بطريقة سليمة لدينا كبالغين، ولدى أطفالنا أيضاً، كي ينشأ مجتمع سوي نفسياً قادر على الإنجاز والاستمرار بالحياة بطريقة فعالة.”
وشددت الاختصاصية النفسية على أن الاهتمام بالصحة النفسية ليس ثانوياً بل هو أولوية، مؤكدةً أنه الاستثمار الأهم في حياتنا.
قد يهمك أيضاً: سنة على الحرب.. كيف تؤثر مشاهدها على صحتنا النفسية؟
المؤشرات التي تدفعنا لطلب الخدمة النفسية
وحول المؤشرات التي تدفعنا لطلب الخدمة النفسية، أوضحت مهنا أن أهمها “التعطيل”، أي مقدار تعطيل الاضطراب لحياتنا الاجتماعية وعلاقاتنا مع الآخرين، أو تعطيل الحياة الدراسية أو المهنية، أو تعطيل الحياة الأسرية لدى الأب والأم، وتعطيل قدرتهم على ممارسة أدوارهم.
وأضافت: “هناك مؤشرات أخرى كساعات النوم إذا كانت أكثر أو أقل من الطبيعي، واضطرابات الطعام كزيادة أو نقصان الشهية، والشعور بالحزن وفقدان المتعة.”
وأوضحت الاختصاصية النفسية أن استمرار هذه الأعراض لأكثر من أسبوعين، كفيل بجعلنا نلجأ للخدمة النفسية، والأهم ألا نراكمها ونطوّرها لتصبح مزمنة وتخلّف أشياء لا نستطيع السيطرة عليها.