لا يمكن الجزم إلى أين ستسير عملية “طوفان الأقصى”، التي بدأتها فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ضد الكيان الإسرائيلي، لكنه من الواضح أن التصعيد هو سيد الموقف، سيما مع إعلان النفير العام من قبل حركة “حماس” رأس الطوفان، وتأكيد استمراره من قبل جناحها العسكري الممثل بكتائب “عز الدين القسام”.
وفي الطرف المقابل، لن يمر تعفير وجه الكيان الغاصب بالتراب مرور الكرام، وهذا ما توضحه التحشيدات الأخيرة حول قطاع غزة، حيث وصلت مؤخراً عشرات الآلاف من قوات الاحتلال والمدرعات الثقيلة إلى منطقة الهجوم، فضلاً عن اشتباكاتهم المستمرة مع المقاومين في يومها الرابع.
ورغم شنه سلسلة غارات من الجو والبحر، على مواقع شمالي قطاع غزة وعلى الشريط الساحلي، تتزايد مخاوف الكيان الإسرائيلي من وقوع هجمات مصدرها لبنان أو سورية،حسب تصريح المتحدث باسم الكيان الغاصب “ريتشارد هيشت”.
وفي هذا السياق، تزايدت الأسئلة والتوقعات حول إنضمام جبهة الشمال الفلسطيني لدعم عملية “طوفان الأقصى”، سيما بعد البيان الأخير لـ “حزب الله” عندما أكد فيه أن العملية التي أطلقتها “حماس”، بمثابة رسالة إلى العالم العربي والإسلامي والمجتمع الدولي، خاصة المطبعين مع الكيان الغاضب.
ودعا البيان شعوب الأمة العربية والإسلامية والأحرار في العالم، إلى إعلان التأييد والدعم للشعب الفلسطيني وحركات المقاومة، وذلك “بالدم والقول والفعل”، وهو ما يعني أنه رسم عنواناً للعملية أعرض من كونه رد على الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.
وتواكب قيادة المقاومة الاسلامية في لبنان، حسب البيان، التطورات الهامة على الساحة الفلسطينية عن كثب، كما أنها على اتصال مباشر مع قيادة المقاومة الفلسطينية في الداخل والخارج، تناقش معها سير العمليات وتضع تقييماً متواصلاً للأحداث.
فيما قال رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله، هاشم صفي الدين: “إننا لسنا على الحياد في المعركة التي تدور حالياً في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي”، و”إن قصف أهداف إسرائيلية في مزارع شبعا عبارة عن رسالة يجب أن يتمعن بها الإسرائيليون جيداً”.
وعبر رسالة وجهها إلى الفصائل الفلسطينية أضاف صفي الدين: إن “سلاحنا وصواريخنا معكم”، وهو دليل على وضع ترسانة الحزب القوية والمتطورة تحت خدمة المقاومة الفلسطينية في حربها ضد الكيان الإسرائيلي.
ويعمل حزب الله منذ نهاية حرب تموز عام 2006، على تعزيز قدراته التسليحية والقتالية، وباعتراف قادة الكيان الإسرائيلي فإنه يمتلك ترسانة عسكرية قويّة ومتطورة، فيما بين تقرير سابق لأحد المواقع المتخصصة في الشؤون العسكرية، بأن عدد الصواريخ التي يمتلكها حزب الله تضاعفت بصورة كبيرة منذ عام 2006، حيث كان يمتلك فقط 15 ألف صاروخ.
وبحسب مصادر المعلومات المفتوحة، فإن صواريخ الحزب من عيارات مختلفة، قادرة على تنفيذ قصف ضد مواقع ثابتة، وتدمير الأهداف الأرضية المتحركة، وتدمير السفن والأهداف الجوية، فضلاً عن امتلاكه صواريخ مضادةقطاع غزة للدبابات، وصواريخ الدفاع الجوي “أرض – جو” بالإضافة إلى المسيّرات، وكلها قادرة على تغيير المعادلة وتدمير أهداف حيوية واستراتيجية في العمق الإسرائيلي.
حزب الله لن يكون وحيداً في جبهة الشمال، فسورية التي تولي القضية الفلسطينية اهتماماً كبيراً، لن تقف مكتوفة الأيدي في حال التصعيد من قبل الكيان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، أو حتى على الأراضي اللبنانية في حال فتح جبهة الشمال، وهي التي لطالما آمنت بنظرية “وحدة الساحات”.
وفي حال تحولت عملية “طوفان الأقصى” إلى حرب مفتوحة، وتحديداً عبر تدخل الولايات المتحدة الأمريكية فيها، فستكون الجبهة السورية على أهبة الاستعداد، وهي التي تشهد أساساً استنفاراً كبيراً بسبب الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة من جهة، وممارسات الاحتلال الأمريكي وأذرعه في الأراضي السورية من جهة أخرى.
ولاتقل مخاوف الكيان الإسرائيلي من جبهة سورية عن جبهة لبنان، سيما بعد اعترافاته في وقت سابق، من خطر التهديد الذي يشكله عليه الجيش السوري بعد إعادة بناء وتسليح نفسه، حيث قال: إن “قدرة سورية على إنتاج الأسلحة والذخيرة والجهود الجارية لإعادة بناء الجيش، تشير إلى أن هذا التهديد أصبح بالفعل تهديداً ناشئاً علينا”.
وعليه يرى مراقبون أن وضع خيار العمليات البرية ضد قطاع غزة والتصعيد، سيكون بمثابة مقامرة كبيرة للاحتلال الإسرائيلي، سيما بعد أن أظهر “طوفان الأقصى” هشاشة غير مسبوقة في أدائه الاستخباري والعملياتي، وذلك دون أن تتدخل “عصا موسى” في دعم سيناريوهات عملية “طوفان الأقصى”، ومع تدخلها يعني أنها ستلحق ضرراً لا يمكن إصلاحه في الفضاء الإلكتروني والبنية التحتية للكيان الإسرائيلي، أي العبث بالعين الإسرائيلية لمرة جديدة.
وكانت “عصا موسى” – وهي مجموعة قرصنة إلكترونية – قد تمكنت في وقت سابق، من قرصنة كاميرات المراقبة الأمنية التابعة للكيان الإسرائيلي، وكاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة في شوارع الأراضي المحتلة، وكاميرات شركات الأسلحة الإسرائيلية سيما شركة “رافائيل”.
ولم تتوقف اختراقاتها هنا وحسب، بل طالت شبكات الكهرباء الخاصة بالكيان الصهيوني، ونشرت عقب ذلك مقطعاً مصوراً تتوعد فيه بإغراق العدو في الظلام، كما تمكنت “عصا موسى” من اختراق معلومات مسؤولين عسكريين صهاينة، ونشر أرقام هواتفهم الخاصة، وحولت معلومات حساسة عن جنود إسرائيليين، إلى معلومات متاحة للعامة على موقع”LinkedIn”، فضلاً عن تسريبها صوراً جوية لـ “إسرائيل”.
وليس أخراً تمكن القراصنة الإيرانيين، من إطلاق صافرات الإنذار في عدد من الأراضي المحتلة، سيما في قرية “أم الرشراش” المطلة على خليج العقبة، التي غير اسمها الكيان الإسرائيلي إلى “إيلات” عقب احتلالها عام 1949.
وفي حال تدخل الجيش السيبراني الإيراني و”عصا موسى” فإنه سيضع الكيان الإسرائيلي في حالة تخبط كبيرة، ستظهر فيها هشاشته ووهنه، كما أنه سيساند المقاومة في تخطي الكيلومترات الباقية للوصول إلى الخليل، وبالتالي شطر الكيان الإسرائيلي ومستوطناته إلى شطرين، ويسهّل بشكل أو بآخر تدمير مواقع ونقاط لا تحتاج إلى الكثير من الصواريخ المقاومة، علّ أهمها مفاعل “ديمونا” النووي جنوبي الأراضي المحتلة، أو حتى خزان “الأمونيا” في مدينة حيفا.
وعليه يرى قارئون للمشهد أن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يميل للحذر في التعامل مع مثل هذا النوع من التحديات، وقد يسعى لإعادة المشهد إلى ما قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، من خلال محاولة التنسيق مع الولايات المتحدة من أجل وقف إطلاق النار، وهو أمر يستحيل الحديث عنه على الأقل خلال الأيام القادمة.