المجلس السياسي لوسط وغرب سوريا: الفيدرالية بين الطموح السياسي وتشابك المصالح الإقليمية
داما بوست -خاص
يمثل إعلان المجلس السياسي لوسط وغرب سوريا في 27 آب/أغسطس 2025، خطوة سياسية جديدة في المشهد السوري المعقد. فقد طرح المجلس بيانًا تأسيسيًا يدعو فيه إلى إقامة نظام فيدرالي يضم محافظات اللاذقية وطرطوس وأجزاء من محافظتي حماة وحمص، مؤكدًا رفضه لحكومة اللون الواحد التي تقودها هيئة تحرير الشام، وداعيًا إلى تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 كمرجعية لعملية الانتقال السياسي. كما شدد على ضرورة ملاحقة مجلس الأمن قادة الهيئة والمطالبة بالإفراج عن المغيبين قسرًا. هذا الإعلان لم يأتِ في ظرف عادي، بل في لحظة مفصلية تتداخل فيها تحولات الداخل السوري مع حسابات القوى الإقليمية والدولية، ما أعاد خلط الأوراق على نحو مشابه لما شهدته السويداء مؤخرًا.
تشابه واختلاف مع تجربة السويداء:
البيان لم يأتِ من فراغ، بل ارتبط بالمقارنة المباشرة مع تجربة السويداء التي تحولت إلى ساحة مستقلة بعد خروجها عن سيطرة الحكومة الجديدة. غير أن الفارق الأساسي يكمن في غياب الفصائل العسكرية العلنية في الساحل، مقابل وجودها في السويداء بدعم مباشر من “إسرائيل”. إلا أن مؤشرات ميدانية – كتقارير عن تحركات عسكرية في قاعدة حميميم – تشير إلى أن الخيار العسكري قد يظل قائمًا، خاصة مع صعوبة فصل أي مشروع في الساحل عن التدخل الروسي المحتمل، في مقابل المخاوف التركية من ارتدادات الفيدرالية على الداخل التركي.
انعكاسات إقليمية: تقاطع المصالح وتضاربها:
المشروع الفيدرالي الساحلي لا يمكن فصله عن التوازنات الإقليمية:
تركيا ترى في المشروع الفيدرالي تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، ليس فقط بسبب العامل الطائفي المرتبط بوجود نحو 15 مليون علوي داخلها، بل أيضًا بسبب البعد القومي المرتبط بوجود ما يقارب 20 مليون كردي على أراضيها. ومن ثم فإن أي مشروع فيدرالي في الساحل السوري من شأنه أن يفتح الباب أمام مطالب موازية أو ضغوط داخلية مشابهة، فضلًا عن تداعياته المباشرة على الملف الكردي في شمال شرق سوريا.
“إسرائيل” تنظر إلى الفيدرالية في الساحل كفرصة لإبعاد أنقرة عن المتوسط ومنع أي وجود عسكري تركي قد يهدد أمنها على المدى الطويل، فضلًا عن اعتبارات الغاز والطاقة المرتبطة بشرق المتوسط. كما أن لـ “إسرائيل” مصلحة استراتيجية في الدفع نحو تقسيم سوريا إلى أقاليم طائفية متناحرة، بما يضمن إضعاف الدولة السورية ويحولها إلى كيانات متصارعة غير قادرة على تشكيل تهديد إقليمي في المستقبل.
قسد قد تستفيد من سابقة كهذه لتقوية أوراقها التفاوضية عبر المطالبة باعتراف أكبر بمشروعها الفيدرالي في الشمال الشرقي، وهو ما ظهر بوضوح في مؤتمر الحسكة الذي جمع شخصيات كردية ودرزية وعلوية. كما أن نجاح الفيدرالية في الساحل قد يمنح قسد قدرة أكبر على ترسيخ نفسها كقوة قادرة على إدارة إقليم مستقل بعيدًا عن دمشق.
المجلس السياسي بين النفي والتأكيد:
أفاد مصدر مطلع على عمل المجلس لشبكة “داما بوست” أن المجلس لا يتبع لأي دولة خارجية، بل يعمل في إطار تقاطع مصالح مع بعض القوى الإقليمية والدولية، بما يتيح مساحات عمل مشتركة دون أن يفرض عليه التبعية. وشدد المصدر على أن المجلس يحظى بدعم من قوى دولية لها وزنها، غير أن هذا الدعم لا يرقى إلى مستوى السيطرة أو التوجيه المباشر.
وفيما يتعلق بالشيخ غزال غزال، أوضح أن المجلس لا يتبعه، وإنما جرى التنسيق معه وإبلاغه بقرار إنشاء المجلس، ولم يبدِ أي اعتراض. وأكد أن المجلس يكنّ كامل الاحترام له، معتبرًا أن أي إطار أو شخصية تعمل لتحقيق الأهداف ذاتها تقع في صلب المشروع الذي يسعى إليه المجلس. بذلك يحاول المجلس أن يرسّخ صورته كإطار وطني محلي مستقل، مع احتفاظه بالقدرة على بناء جسور تنسيق مع قوى داخلية وخارجية تخدم مشروعه السياسي.
البعد الاقتصادي والاجتماعي للفيدرالية:
لا يقتصر مشروع الفيدرالية على السياسة والأمن، بل يتضمن أبعادًا اقتصادية واجتماعية حاسمة. فالمناطق المطروحة – اللاذقية وطرطوس وأجزاء من محافظتي حماة وحمص – تشكّل شريطًا غنيًا بالموارد والمنافذ البحرية ومركزًا للطائفة العلوية. قيام إقليم فيدرالي هناك يعني السيطرة على المرافئ وإعادة توزيع الموارد بعيدًا عن دمشق، كما سيحرم دمشق من أي منفذ بحري، ما يضعها في حصار اقتصادي واستراتيجي. لكن هذا الطرح قد يثير صراعات على الموارد ويواجه تحديات اجتماعية تتعلق بقبول بقية المكونات لفكرة الأقاليم الطائفية والاقتصادية المنفصلة.
تحذيرات أمنية ومؤشرات ميدانية:
تزايدت في الأيام الأخيرة المؤشرات الأمنية والعسكرية في الساحل، حيث نفذت القوات الأمنية السورية حملة اعتقالات واسعة وضبطت مخازن أسلحة، ما يعكس إدراكًا رسميًا لحساسية الموقف واحتمال تطوره نحو مواجهة مفتوحة. وفي هذا السياق، قال حنان غيفن، القائد السابق لوحدة الاستخبارات الإسرائيلية 8200، إن أحداثًا خطيرة قد تقع قريبًا في سوريا، سواء في المناطق الكردية أو في المنطقة العلوية.
إعلان المجلس السياسي لوسط وغرب سوريا ليس مجرد بيان محلي، بل خطوة تفتح على سيناريوهات أوسع ترتبط بمستقبل سوريا ما بعد الأسد وبإعادة رسم توازنات الإقليم. الفيدرالية المطروحة في الساحل قد تتحول إلى ورقة تفاوضية إقليمية أكثر منها خيارًا داخليًا، خاصة مع دخول أطراف كتركيا و”إسرائيل” وروسيا على الخط. ومع غياب القوة العسكرية العلنية حتى الآن، يبقى السؤال: هل سينجح المجلس في تحويل مشروعه إلى واقع سياسي، أم أن الساحة السورية ستشهد جولة جديدة من الصراع المسلح حول مستقبل الفيدرالية؟
إقرأ أيضاً: الحل نت: سياسات الشرع المركزية تعمّق الانقسامات وتدفع سوريا نحو اللامركزية
إقرأ أيضاً: البيان التأسيسي للمجلس السياسي لوسط وغرب سوريا