أسدل الشباب السوري الستار عن واقعه بعد خيبات متتالية في تحسين الوضع المعيشي، بينما كان يبني أحلامه خلفه، فالفرق بين أن “نأكل لنعيش” و”نعيش لنأكل” حياة تهددها الظروف الاقتصادية الراهنة، التي فرضت على الكثير منهم مسؤوليات جديدة لم يفكر أبداً أنها ستكون محور حياته، كتأمين وجبة الفطور مثلاً، أو تأمين ثمن “الدخان والمعسل” لتتحول الأساسيات اليومية إلى كماليات.
“حاسس حالي روبوت” هكذا بدأ “باسل أحمد” حديثه وهو أحد الشباب الموظفين في القطاع الخاص ومستأجر في منطقة المزة لـ “داما بوست”.. “لدي عطلة يوم واحد في الأسبوع ويومياً أعمل من الساعة الثامنة صباحاً إلى الخامسة تقريباً، وبراتب شهري يصل إلى 800 ألف ليرة، مقابل حياتي الاجتماعية وحالتي الجسدية من تعب وإرهاق، لكنني مضطر، قل لي كيف أعيش أقل لك لماذا أعمل”.
وعن تكاليف المعيشة يتابع “أحمد” قائلاً.. “آجار غرفة في منطقة شعبية مفرطة، وصل إلى 200 ألف لكنني اتقاسمها مع شريكي في السكن، وربطة الخبز وصل سعرها دون بطاقة إلى 2000 ليرة ويومياً بحاجة ربطة، هي 60 ألف ليرة، وإذا أردت أن تفطر يومياً على سبيل المثال بيضتين فأنت بحاجة يومياً بين 3500 و4000 ليرة يعني بالشهر قرابة 120 ألف ليرة، هي بس وجبة وحدة، ناهيك عن الغاز المنزلي الذي وصل سعر الكيلو منه 16 ألف منذ عدة أيام ولا يكفي إلا مايقارب عشرين يوماً، إضافة للمرض والدواء ومصاريف إضافية لشاب وصل عمره إلى 30 سنة”.
“10آلاف ليرة مو قادرة شيل على جنب” تقول “سلام عجيب” صيدلانية وخبيرة تجميل لـ “داما بوست”.. “أعمل في مركز بمنطقة السيدة زينب، ومستأجرة منزل بـ 200 ألف ليرة وهذا الآجار لأن المنزل لعمتي، أجار الطريق شهرياً يصل إلى 300 ألف ليرة، تخيل 500 ألف دون طعام أو شراب أو أي شيء آخر، أعمل 12 ساعة لا حياة اجتماعية ولا غيرها، وأقل فطور بين اللبنة والجبنة والبيض يكلف قرابة 25 ألف ليرة، يعني راتبي بروح مع القليل من الرفاهية لأنه قادرة اشتري علبتين معسل بالشهر”.
“بما أن الشتاء على الأبواب فإن سعر أي حذاء شتوي يكلف راتب كامل” تقول “مريم لـ “داما بوست” وأجار غرفتي 300 ألف بدفع منها 150 ألف، نحتاج كل يومين ربطة خبز سعرها 2500 ليرة، وبحكم أنه ليس لدينا براد لا نشتري مأكولات لا تحتاج إلى تبريد، مثلاً اللبنة العادية بحاجة براد لكن اللبنة “المدعبلة” وصل سعر الكيلو منها إلى 13 ألف، والجبنة 5000 ليرة لا تكفي فطور لشخصين أساسا، وأغلب الأيام لا نستطيع الطبخ يومياً، فلو قررنا أن نقوم بطبخ الرز بحمص مثلاً، فنحن بحاجة للفروج واللبن، لكنني لا أشتري أي منهما، وأقضي الطبخة مع السلطة، لأنه أقل طبخة ممكن نطبخها فهي تكلف بأسوأ حالة 30 ألف ليرة”.
وأكملت “ابراهيم”.. “إضافة على تلك المصاريف، تكاليف المنظفات وفواتير المياه والكهرباء، وباقات الانترنت التي تصل إلى 30 و40 ألف ليرة، وصدقاً كيف يمر الشهر نحن لا نعلم، فقد وصل خوفنا إلى درجة القلق من اهتراء قطعة ثياب مثلاً، لأنه ليس لدينا القدرة إلا على تلبية احتياجاتنا التي لا تعتبر احتياجات اساسا ومن المفروض أن تكون من الأساسيات”.
البطاقة الذكية للعازب
وكانت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك قد أصدرت البطاقة الذكية للشباب العازب والتي يستطيع من خلالها الحصول على مخصصات فرد من المواد التموينية بالإضافة للخبز المدعوم، وبحسب عدد من الشباب فإنهم لم يستطيعوا الحصول عليها نتيجة عدم وجود عقود آجار نظامية فأغلب المكاتب تعتمد على العقود المكتبية دون تثبيتها في المحافظة أو البلدية، فيما يتم إجبار المستأجر على توقيع سندات أمانة فارغة ليضمن كل من المالك والمكتب حقه، إضافة إلى الاشتراط على المستأجر بالدفع لمدة لا تقل عن ثلاثة شهور مع “كومسيون” للمكتب يعادل آجار البيت لمدة شهر.
آجار البيوت
واطلعت “داما بوست” على أسعار آجارات العقارات في العاصمة دمشق، والتي تختلف من منطقة إلى منطقة حسب المواصفات وأهمية المنطقة وقربها من مركز المدينة ومستوى التخديم، ولكن بشكل وسطي بلغ آجار غرفة غير مفروشة مع منتفعاتها و كسوتها أقل من جيدة بنحو 150 ألف ليرة في أسوأ أحياء المزة 86 العشوائية مثلاً، فيما وصل آجار المنازل والتي تكون عبارة عن صالون وغرفة ومنتفعاتها غير مفروش بأقل سعر ممكن نحو 300 ألف ليرة سورية، والمكاتب العقارية تقوم بكتابة عقد مكتب دون تثبيته بالبلدية أو المحافظة والمالية، ويجبر المستأجر على توقيع سندات أمانة فارغة، بحجة أن يحفظ المالك حقه مع المكتب.
التكلفة الشهرية لشخص عازب بأقل تقدير
ومن خلال ما سبق، نرى أن التكلفة في الحد الأدنى للشخص الذي يعيش بحالة فقر مدقع أي أنه يأكل وجبة فطور عبارة عن بيضتين بـ 4000 ليرة، إضافة لوجبة الغذاء وهي عبارة عن سندويشة فلافل سعرها 6000 ليرة، وشراء 15 ربطة خبز بالشهر على اعتباره شخص واحد 30 ألف ليرة، وبلغت كلفة أقل باكيت دخان 5000 ليرة، معتبرين أيضاً أن العمل لا يحتاج إلا لوسيلة نقل واحد أي ما يقارب 60 ألف ليرة شهرياً، وملزم بدفع آجار غرفة بـ 150 ألف، فإن تكاليف ذلك أكثر من 700 ألف ليرة، وهذا الرقم وبحسب المعطيات فهو متجه نحو الزيادة وليس للنقصان خصوصاً وأن ارتفاع أسعار المحروقات أثر بشكل كبير على جميع الأسعار بما فيها الآجارات، ولا يتضمن تكاليف السفر لزيارة الاهل ولا الملابس ولا مشروبات ولا أي نوع من أنواع الرفاهية لدى الشباب اليوم.
بينما لو قمنا بتبديل الغداء من سندويشة فلافل إلى طبخة لشخصين فأقل مايمكن أن تكلف 40 ألف ليرة، عبارة عن رز بالخضار مع كيلو من اللبن، فإن التكلفة الشهرية لذلك تصل أكثر من مليون و700 ألف ليرة.