عام على سقوط النظام السابق: تدهور اقتصادي وتراجع الدعم الدولي

شهد العام الأول بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد وتسلّم السلطة الانتقالية الجديدة زمام الحكم، فشلًا واضحًا في تحقيق الوعود التي أطلقها الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، وسط تصاعد التوترات السياسية والأمنية داخليًا وإقليميًا. وتزامن ذلك مع تزايد التهديدات الإسرائيلية داخل سوريا، ولا سيّما توسّع الاحتلال في الجنوب السوري، ما فاقم حالة عدم الاستقرار.

تراجع الدعم الدولي وتدهور الاقتصاد السوري:

رغم الصورة الوردية التي تحاول السلطات الانتقالية وداعموها من القوى الغربية والعربية تسويقها عبر الإعلام، فإن الواقع الاقتصادي يكشف هشاشة غير مسبوقة. فقد انخفض الدعم الدولي لسوريا بشكل كبير، وظهر هذا جليًا في مؤتمر بروكسل التاسع الذي سجل تراجعًا بأكثر من ملياري دولار مقارنة بالمؤتمر السابق في عهد النظام السابق، إذ لم يتجاوز الدعم 6 مليارات دولار، منها مليارا دولار قروض موجّهة للسلطة الانتقالية و”الإدارة الذاتية” ودول الجوار.

يعيش السوريون اليوم تحت وطأة أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود، حيث يقع معظم السكان تحت خط الفقر، وتتراجع القدرة الشرائية بشكل حاد، فيما يعاني القطاع الزراعي من انهيار إنتاجي مقلق، ما يهدد الأمن الغذائي بشكل مباشر. وبالرغم من الوعود المستمرة، لم تقدّم الدول الداعمة أي مساعدات تتناسب مع حجم الأزمة، في ظل أولويات مالية وسياسية جديدة لدى هذه الدول.

تحوّل السياسات الغربية والعربية وتأثيرها على الوضع السوري:

تركّز الدول الغربية اليوم على ملفات الأمن وبناء الجيوش بدلاً من التنمية، فيما تغيّرت سياسات الدعم العربي من تقديم منح غير مشروطة إلى نموذج “الاستثمار التجاري” المشابه لسياسات الشركات العالمية الكبرى. ومع انتقال سوريا إلى النفوذ الأميركي بعد سقوط النظام السابق، تراجع الاهتمام بدعمها ماليًا، وشهد ملف اللاجئين إهمالًا متزايدًا، مع سعي دول أوروبية إلى تهيئة الظروف لإعادتهم، رغم الواقع القاسي الذي تعيشه المخيمات داخل سوريا وخارجها.

أما قطر والسعودية، ورغم توقيع العديد من مذكرات التفاهم مع الشرع، فإنهما لم تضخّا الأموال الموعودة نتيجة المخاوف من العقوبات الأميركية وعدم وضوح مستقبل “قانون قيصر”. وتقول مصادر مطلعة إن إجمالي ما تقدّمه الدوحة والرياض شهريًا لا يتجاوز 30 مليون دولار، وهو رقم غير كافٍ حتى لدفع رواتب الموظفين، التي فشل الشرع في رفعها بنسبة 400% كما وعد سابقًا.

ومؤخرًا، باتت المساعدات المالية تمر عبر آلية أممية رقابية لضمان وصولها للقطاعات الحيوية مثل التربية والصحة، ما أدى إلى تأخير صرف الرواتبكما حدث في رواتب تشرين الثانيبسبب عمليات تدقيق دولية مشددة.

فوضى أمنية تعرقل الاستثمار وغياب رؤية اقتصادية واضحة:

تقف حالة الفوضى الأمنية، الانتقام الطائفي، والتوغّلات الإسرائيلية المتكررة، عائقًا أمام الاستثمارات التي كانت الرياض تسعى لفتحها داخل سوريا، خصوصًا مشاريع السكن والترفيه والتجارة التي تحتاج إلى بيئة مستقرة. في المقابل، تحتاج البلاد بشكل عاجل إلى مشاريع بنى تحتية وإنقاذ اقتصادي، لا إلى خطط رفاهية.

وتزيد السياسات الاقتصادية العشوائية للسلطة الانتقالية الوضع سوءًا، مثل رفع الدعم عن الخبز وزيادة أسعار الكهرباء، إلى جانب رفع أسعار الاتصالات. كما أثبت استيراد الغاز الأذربيجاني وتوقيع اتفاقيات بقيمة 7 مليارات دولار لإنتاج 5000 ميغاواط، عدم جدوى حقيقية، في ظل الغموض حول التمويل وغياب خطة اقتصادية متكاملة.

انشغال السلطة الانتقالية بقضايا ثانوية بدل معالجة الأزمات:

ورغم كل التحديات، عملت السلطات الانتقالية على إشغال السوريين بقضايا هامشية، مثل “مشروع الهوية البصرية” لكل محافظة، بدل التركيز على تفكك النسيج الاجتماعي، وانهيار دخل المواطنين، وتراجع القدرة على الصمود الاقتصادي. كما تلجأ إلى إذكاء التوترات عبر فتح ملفات “الفلول” أو التصعيد ضد السويداء أو قوات سوريا الديمقراطية، بحثًا عن تحويل الانتباه عن الفشل الداخلي.

مشهد أكثر تعقيدًا وأزمات تتفاقم:

تطبيق السلطات الانتقالية لسياسات اقتصادية غير واقعية، وتراجع الدعم الدولي، والفوضى الأمنية المستمرة، جميعها ساهمت في تعميق الأزمة المعيشية في سوريا. ومع غياب رؤية حكومية واضحة لحلّ المشكلات، يبدو أن العام الأول بعد سقوط النظام السابق كشف حجم التحديات، وأكد فشل الإدارة الجديدة في تقديم أي حلول ملموسة للسوريين الذين يعيشون اليوم واحدة من أصعب المراحل بتاريخ بلادهم.

إقرأ أيضاً: عام على الوعود… والشارع ما زال بلا أمان: السوريون بين تصريحات الحكومة وواقع الخوف

إقرأ أيضاً: عام على سقوط نظام الأسد… والعدالة الانتقالية في سوريا ما تزال غائبة: دولة جديدة أم منظومة قديمة بوجه مختلف؟

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.