عام على سقوط الأسد: تعثر الإصلاح الإداري في سوريا وشلل التحول الرقمي يعمّ المؤسسات الحكومية
مع مرور عام على سقوط نظام بشار الأسد وتولي الحكومة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع إدارة البلاد، تتصاعد الخيبة الشعبية من مشروع الإصلاح الإداري الذي وعدت به السلطات الجديدة. فبينما أعلنت الحكومة عن خطط واسعة لإعادة هيكلة المؤسسات وتحديث الخدمات وإطلاق التحول الرقمي، تكشف الوقائع أن هذه المشاريع لم تتجاوز حدود التصريحات، ما خلق أزمة ثقة بين الموظفين والمواطنين على حد سواء.
وعود حكومية بلا نتائج: الروتين يقاوم التغيير
رغم تعهدات الحكومة بتسهيل الإجراءات وتبسيط المعاملات، لا تزال المعاملات الورقية تهيمن على غالبية الدوائر، فيما تتأخر مشاريع الرقمنة دون توضيح للأسباب. وقد أدى هذا التعطل إلى شلل خدمات أساسية، وتفاقم معاناة الموظفين والمراجعين الذين اصطدموا بأنظمة غير فعّالة وقرارات متضاربة.
خلال الأشهر الماضية، تضاعفت الشكاوى من بطء تنفيذ القوانين الخاصة بإعادة الهيكلة، ما دفع الخبراء إلى اعتبار أن الأزمة باتت خللاً بنيوياً لا مجرد تأخير تقني.
منظومة الدفع الإلكتروني… من الأمل إلى الانهيار السريع
أثار قرار الحكومة بإلزام المؤسسات باستخدام الدفع الإلكتروني تفاؤلاً واسعاً. لكن فور البدء بتطبيقه، تعطلت المنظومة ساعات طويلة، وتوقفت المعاملات بالكامل في المديريات، ما أدى إلى تكدّس آلاف المراجعات وتوقف العمل.
تقول أميرة فتاح، موظفة في قطاع التعليم، لـ“الحل نت”: “كان المفروض ندفع إلكترونياً، لكن الرابط توقّف والنظام كله تعطّل. ولا قادرين نكمّل ورقي ولا إلكتروني.”
فوضى داخل المؤسسات: موظفون بلا أدوات ومراجعون بلا حلول
تتعامل المؤسسات حالياً مع تعليمات يومية حول الرقمنة، لكن دون تجهيزات، بحسب ما يؤكده موظفون كُثر. ويقول أحمد دياب، وهو موظف في إحدى المؤسسات العامة:
“نستقبل تعميمات عن الأتمتة يومياً، لكن ما في أجهزة ولا إنترنت. النظام غير جاهز ونحن ندفع الثمن أمام الناس.”
من ناحية أخرى، تتسبب الأعطال المتكررة في ضياع معاملات، كما حصل مع سامر خليل الذي حاول تقديم شكوى في المخفر:
“رجعت بعد أسبوع لقيت كل الأوراق التي جمعتها ليوم كامل ضايعة بين الورق. فوضى كاملة.”
المواطن الضحية الأولى: معاملات متجمدة بلا مواعيد واضحة
المواطنون بدورهم يواجهون معاناة مضاعفة. معاملات التقاعد، السجل المدني، الشؤون الإدارية، وحتى الشكاوى الأمنية، باتت متوقفة أو مؤجلة لأجل غير معروف.
يقول أبو رامي لـ“الحل نت”، وهو ينتظر معاملة تقاعد زوجته: “الملف مو ظاهر بالنظام. ما منعرف إذا نرجع بكرا ولا بعد شهر.”
خلل بنيوي لا يرتبط فقط بتعطّل الأنظمة
ترى شرائح واسعة من السوريين أن تأخر الإصلاح الإداري مرتبط بـ:
الفساد وضعف الرقابة
سوء التخطيط
إطلاق منصات جديدة دون جاهزية
تضارب القرارات بين الوزارات
فشل تدريب الموظفين وتأهيل المؤسسات
رغم أن مشاريع التحول الرقمي بدأت من العاصمة والمدن الكبرى، إلا أن أكثر من 80% من المؤسسات لا تزال تعتمد على الورق، بحسب تقديرات غير رسمية.
إصلاح إداري مؤجل… ومعاناة مستمرة
على الرغم من الخطط المعلنة كل شهر لإطلاق أنظمة جديدة، لا تزال آثار الإصلاح غائبة عن أرض الواقع. وبين مشاريع تُطلق ثم تتوقف، تبقى معاناة المواطنين والموظفين الثابت الوحيد في مشهد إداري مضطرب.
وبهذا، يتحول الإصلاح الإداري في سوريا إلى ملف معلّق تنتظره البلاد، في وقت تحتاج فيه المؤسسات العامة إلى تحديث فعلي يخفف الاحتكاك البيروقراطي ويحسن مستوى الخدمات، بدل الاكتفاء بالشعارات.
اقرأ أيضاً:16 مليون نازح داخل سوريا بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة: الوضع الإنساني في تدهور