سوريا بين واشنطن والرياض: إعادة الشرعية بشروط وثمن سياسي مرتفع
شهد المشهد السوري مؤخرًا تحولات دبلوماسية بارزة، مع رفع اسم الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع ووزير داخليته أنس خطاب من قوائم الإرهاب الدولية، وإشارات إلى زيارة مرتقبة للبيت الأبيض، ما يفتح نافذة محدودة لإعادة إدماج سوريا على الساحة الدولية، لكن ضمن مراقبة دقيقة لسلوك دمشق في المرحلة المقبلة.
وتستعد واشنطن لاستقبال الشرع هذا الشهر في زيارة تاريخية، الأولى لرئيس سوري إلى البيت الأبيض منذ عقود، لكن الرمزية لا تعني اعترافًا مجانيًا؛ فالزيارة تتوافق مع مقاربة أميركية–دولية جديدة لمنح الشرعية، تعتمد على رفع تدريجي للعوائق مقابل التزامات قابلة للقياس. وفي الوقت ذاته، تتابع إسرائيل هذه الخطوات عن كثب، إذ ترى أن إعادة تأهيل دمشق لن تكون كاملة من دون مقابل واضح يتعلق بالملف الفلسطيني والحدود الجنوبية.
الزيارة الأميركية تأتي في سياق نافذة اختبار دولي مشروط، فيما سبقها نموذج عربي قدمته الرياض. زيارة الشرع إلى السعودية لم تحمل اختراقًا كبيرًا في الاعتراف أو التمويل، لكنها وضعت سقفًا للقبول العربي، مؤكدة أن الطريق إلى الشرعية والتمويل يمر عبر إصلاحات ملموسة يمكن قياسها.
الرسالة السعودية كانت واضحة: لا شرعية مجانية ولا تمويل قبل إصلاحات تتعلق بالاقتصاد الرمادي والدولة المركزية، مع التركيز على أربعة هواجس رئيسية: ضبط العشائر وتقليص دورها العسكري والسياسي، الحد من النفوذ التركي طويل المدى، توجيه سوريا بعيدًا عن تبعية موسكو الكاملة، ومكافحة المخدرات وغسل الأموال كشرط لأي دعم اقتصادي.
في الخلفية، لعبت قطر دور عامل توازن، معارضة لأي تطبيع سوري–إسرائيلي مجاني قبل وضوح مسار فلسطيني، بينما تحدد واشنطن شروط دعم الشرع على أساس جدوى استراتيجية تشمل اتفاقًا أمنيًا مع إسرائيل لضبط الحدود، ترتيبات أمنية مشتركة، ورفع جزئي للعقوبات مقابل خطوات ملموسة ضد “هيئة تحرير الشام”.
وبحسب التحليل، الشرع يواجه معضلة مزدوجة: الحاجة إلى شرعية دولية وخشية من الكلفة الداخلية لهذه الخطوات. تفكيك الهيئة ودمج قوات “قسد” أو ضبط العشائر قد يثير اضطرابات داخلية، فيما إسرائيل تضع شروطًا صارمة قبل أي اعتراف سياسي.
الحلول الواقعية للمرحلة الانتقالية تتطلب هندسة دقيقة تشمل: تحويل العشائر من ذراع أمني إلى شريك مجتمعي غير مسلح، خطة واضحة لمكافحة المخدرات والتهريب، تفكيك تدريجي للهيئة، دمج مؤسسي منخفض الحساسية لقوات “قسد”، وتنويع الشراكات العربية والدولية تدريجيًا.
زيارة الرياض لم تغلق الأبواب لكنها وضعت قواعد جديدة للاشتباك، بينما ستحدد زيارة واشنطن سقف الحركة السياسية في المرحلة المقبلة. النافذة مفتوحة لكنها ضيقة، وأي حساب خاطئ قد يعيد سوريا إلى عزلة طويلة خارج الخليج والمجتمع الدولي.
اقرأ أيضاً:سورية والسعودية تتفقان على إنشاء محطتي كهرباء بالطاقة المتجددة