التحولات السورية: صراع المصالح والمشاريع الإقليمية والدولية

أدت الحرب في سوريا إلى ظهور تحالفات سياسية رئيسية وتغيرات جيوسياسية كبيرة في المنطقة. التقرير الذي أجراه مركز الإتحاد للأبحاث والتطوير يستعرض هذه التحولات وتأثيرها على القوى الفاعلة، مثل روسيا، وتركيا، وإيران، والولايات المتحدة، بالإضافة إلى دول الخليج والاحتلال الإسرائيلي.

لمحة تاريخية وتحالفات القوى الكبرى

بعد سنوات من الصراع (2011-2016)، شهدت سوريا استعادة حلب ثم تسويات في مناطق مثل الغوطة والجنوب السوري. هذا الصراع أفرز توازنا بين القوى المتنافسة:

التحالف الدولي: بقيادة الولايات المتحدة، ويشمل الاتحاد الأوروبي ويستند إلى قرارات الأمم المتحدة.تحالف آستانا: يضم روسيا وسوريا وتركيا وإيران.

عمل هذان التحالفان على وضع رؤى للحلول في سوريا، مستخدمين القرار الدولي 2254 كمرجعية لمنع الانفراد الأمريكي بالقرار السوري.

أهداف القوى الفاعلة

تركيا:

سعت لإزالة التهديد الكردي ممثلًا في حزب العمال الكردستاني (PKK) عبر تشكيل غرفة “الموم” لإدارة الشمال السوري.

شاركت في تحالف آستانا في عملية سياسية مستقلة عن الهيمنة الأمريكية.

نفذت عمليات عسكرية مثل “درع الفرات”، “غصن الزيتون”، و”نبع السلام”، مما أتاح لها وجودًا عسكريًا وقواعد على الأراضي السورية.

حققت مكاسب مالية من الحرب عبر تهريب النفط وتفكيك المصانع في حلب، مما ساهم في إنعاش اقتصادها.

روسيا:

دخلت سوريا بتنسيق مع القوى الدولية، وتحديداالاحتلال الإسرائيلي، لتثبيت مكتسباتها وتكون طرفًا مفاوضًا مع الولايات المتحدة.

أبرمت اتفاقية تعاونية مع الدولة السورية تختلف عن التحالف الدولي الذي اعتمد على قرار أحادي.

استطاعت خداع إيران بإخراجها من الجنوب السوري وتعطيل أنظمة الدفاع السورية في وجه الغارات الإسرائيلية.

اتفقت مع الولايات المتحدة على مناطق شرق وغرب الفرات، وحاولت منع القوات الإيرانية وحزب الله من الوصول إلى الحدود العراقية، لكنها فشلت.

أصرت على فتح طريق M4 الدولي الذي يربط الساحل السوري بمعبر الوليد، لضمان وصول بري لمصالحها وتسهيل الوصول لقواعدها الساحلية.

إيران:

دعمت سوريا لمواجهة المشروع الأمريكي وتعزيز دورها كقوة مقاومة.

تحملت تكلفة اقتصادية كبيرة لدعم سوريا، حيث بلغت الديون حوالي 50 مليار دولار.

واجهت تحديات في علاقتها مع الرئيس السوري، منها العقوبات الدولية عليها، وسعي سوريا لتقوية علاقاتها مع الإمارات لتحقيق مكاسب اقتصادية.

تضييق الوجود العسكري لحلفائها في دمشق والمدن السورية.

التزمت بالقرار الروسي بعدم فتح جبهة مقاومة ضد إسرائيل من الأراضي السورية.

الاحتلال الإسرائيلي:

عملت على إضعاف سوريا وتدمير ترسانتها الكيماوية.

استفادت من الحرب لجمع معلومات عسكرية وأمنية عن القوات المتحالفة مع إيران.

قضت على قيادات إيرانية في سوريا بشكل ممنهج.

نسقت مع روسيا لمنع تفعيل أنظمة الدفاع السورية، مما سمح لها باستهداف الجاهزية الإيرانية.

بنت علاقات مباشرة مع فصائل في الجنوب السوري مثل جبهة النصرة، بالإضافة إلى جزء من الدروز.

الولايات المتحدة:

عززت وجودها في سوريا بنشر قواعد عسكرية شرق الفرات.

استخدمت ذريعة “محاربة الإرهاب” لتبرير وجودها ، وضغطت اقتصاديا على سوريا عبر قانون قيصر لضمان حصة رئيسية لشركاتها في إعادة الإعمار.

سيطرت على منابع النفط شرق سوريا بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

عملت على تحقيق مشروع “الشرق الأوسط الجديد” الذي يخدم مصالحها ويضمن أمن إسرائيل.

دول الخليج:

سعت لإسقاط النظام السوري وإضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة.

عملت على بناء نظام حكم في سوريا يتماشى مع التوافق الخليجي-الأمريكي-الإسرائيلي.

أيدت فكرة استفتاء انفصال الأكراد في كردستان العراق.

تضارب وتقاطع المصالح

تتسابق القوى الفاعلة لتحقيق أهدافها، مما يخلق حالة من التنافس والتعاون في آن واحد.

  • تركيا والاحتلال الإسرائيلي: تتنافسان على مناطق النفوذ في سوريا. تركيا ترى في وجودها العسكري تهديدًا للأطماع الإسرائيلية، في حين أن الاحتلال الإسرائيلي تسعى للحفاظ على سوريا ضعيفة.
  • روسيا والولايات المتحدة: تتوافقان على إضعاف وإخراج إيران من سوريا. روسيا ترى في سوريا دورا لوجستيا واقتصاديا، بينما إيران تعتبرها جزءا من محور المقاومة.
  • الولايات المتحدة ودول الخليج والاحتلال الإسرائيلي: تتشارك في مشروع عام يهدف إلى التخلص من أي قوة للأمة الإسلامية وإنشاء أنظمة عميلة تخدم مصالحها.

الورقات الاستراتيجية في المشهد السوري

هناك قضايا رئيسية تزيد من حالة عدم الاستقرار في سوريا:

  • الورقة الدرزية: وصل التعامل مع إسرائيل إلى حد التواصل والتحضير العسكري. تسعى إسرائيل لخلق حزام أمني في الجنوب السوري، معتمدة على الدروز، وهو ما يخدم هدف بناء “إسرائيل الكبرى” على مراحل.
  • الورقة الكردية: تعد ورقة أمريكية بامتياز، حيث يرى فيها الطرفان حلفاء. الولايات المتحدة تستخدم الأكراد كدروع بشرية وورقة ضغط على تركيا. في المقابل، يرى الأكراد في الولايات المتحدة حاميا لهم من التدهور.
  • الورقة العلوية: لا يوجد تهديد مباشر من هذه الطائفة، لكن جغرافيتها الاستراتيجية على الساحل السوري أثارت أطماع روسيا وتركيا ودول الخليج. تركيا، من خلال فصائل موالية لها، تدعم السيطرة على مناطق استراتيجية في الجبال العلوية لتكون شريكًا في المشاريع القادمة.

خلاصة الوضع الحالي

يظل الوضع في سوريا معقدًا وغير مستقر، حيث يسعى النظام الحالي للحفاظ على مكتسباته ويقوم بالدور المطلوب منه. في الوقت نفسه، يتم إلهاء السوريين بالقضايا الأمنية والاقتصادية لتوجيههم نحو مشاريع مثل الانفصال أو الكونفدرالية.

المستقبل في سوريا يعتمد على نتائج الصراع بين القوى الإقليمية والدولية. فإذا نجح مشروع إزالة الاحتلال الإسرائيلي، قد تنتهي هذه الصراعات، وإلا فإن التحضيرات الجارية ستكون جزءا من مواجهة شاملة.

 

اقرأ أيضاً:سوريا ما بعد الأسد نيويورك تايمز تكشف استمرار علامات الاستبداد

اقرأ أيضاً:مصدر سوري لـ إرم نيوز: روسيا وإسرائيل تنسقان لعملية عسكرية محتملة في الساحل السوري!

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.