الرواتب في سوريا بين الدولار والليرة: تحديات الإصلاح المالي
تصاعدت خلال الفترة الأخيرة مناقشات حول التفاوت الواضح في أنظمة الرواتب داخل القطاع الحكومي السوري، حيث يتقاضى بعض الموظفين أجورهم بالدولار الأمريكي بينما يتلقى آخرون رواتبهم بالليرة السورية، رغم قيامهم بمهام متشابهة. هذا التفاوت يثير تساؤلات حول مدى تأثيره على استقرار المؤسسات العامة وتعزيز الانقسامات الإدارية.
تفاوت في الأجور يعمق الفجوة داخل المؤسسات الحكومية
بحسب موظفين تحدثوا لـ”المدن”، فإن التفاوت في الرواتب لا يزال قائمًا رغم محاولات توحيد الإدارات بعد سقوط النظام السابق. إذ يحصل بعض العاملين، خصوصاً في مناطق الشمال، على رواتب بالدولار تتراوح بين 150 و250 دولاراً، بينما يقتصر دخل موظفين آخرين في مناطق العاصمة على ما يعادل 25 إلى 50 دولاراً بالليرة، قبل أن تُرفع مؤخراً إلى نحو 80 دولاراً.
ويربط البعض هذا التفاوت بوجود نظامي توظيف سابقين، أحدهما تابع لحكومة الإنقاذ في الشمال، والآخر مرتبط بهيكل الدولة قبل سقوطها، مما أدى إلى فروقات مالية واضحة. كما تشير المصادر إلى أن غياب المعايير الموحدة والشفافية يفاقم الإحساس بالظلم بين الموظفين، ويؤثر سلباً على أدائهم وتحفيزهم.
الإصلاح المالي شرط أساسي للدعم الدولي
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور فادي عياش أن عودة سوريا إلى المجتمع الدولي ورفع العقوبات قد يفتح الباب أمام دعم مالي خارجي، لكن ذلك يتطلب معالجة جذرية لمشكلات الرواتب المتعددة وأنظمة الحوكمة غير الموحدة. ويؤكد عياش أن زيادة الرواتب الأخيرة خطوة إيجابية، لكنها غير كافية دون إصلاحات تشريعية تضمن العدالة وتحسن الأداء الوظيفي.
ويقترح عياش إلغاء قانون العاملين الموحد الحالي، واستبداله بتشريعات أكثر تفصيلاً تراعي طبيعة الوظائف، وتعزز العدالة في التعويضات، ما يسهم في تحسين كفاءة التوظيف وتحفيز العاملين في القطاع العام.
غياب المعايير الإدارية يفاقم الأزمة
يرى خليل معلولي، مستشار تطوير إداري، أن الوضع الحالي في ملف الرواتب لا يتناسب مع أي نموذج إداري معروف، ويؤكد أن تحديد الأجور يتم بناءً على خلفيات سياسية ومصادر تمويل قديمة، وليس على معايير الأداء أو طبيعة العمل. ويضيف أن هذا يخلق شرائح متفاوتة الأجور بين موظفين يؤدي معظمهم مهاماً متشابهة، وهو ما يفاقم أزمة الإدارة الفعالة.
ويشدد معلولي على أن الحل يكمن في توحيد الرواتب ضمن نظام شفاف ومؤتمن، يضمن استقرار المؤسسات العامة ويعزز أداء الموظفين.
الانقسام الإداري يعمق الأزمة المؤسسية
من جهته، يشير خبير التنمية الاقتصادية والاجتماعية ماهر رزق إلى أن الحكومة السورية تواجه تحديات إدارية داخلية معقدة تتداخل مع المشكلات السياسية والاقتصادية العامة. ويبرز رزق التفاوت بين الموظفين القدامى والعاملين الجدد في المؤسسات، خاصة مع وجود أنظمة مالية مختلفة سابقاً في مناطق متعددة، مما يضاعف الشعور بعدم العدالة ويضعف الانتماء المؤسسي.
ويحذر رزق من غياب الشفافية في اتخاذ القرارات الإدارية، وغياب دور تشريعي يضبط السلطات التنفيذية، الأمر الذي يزيد من عشوائية التعامل مع المشكلات المالية والوظيفية.
يبقى ملف الرواتب داخل القطاع الحكومي السوري قضية مركزية تبرز الحاجة لإصلاحات مالية وإدارية عميقة لضمان العدالة والاستقرار الوظيفي. وفي ظل التحديات السياسية والاقتصادية، يتوقف نجاح هذه الإصلاحات على الإرادة السياسية والإجراءات العملية التي تعيد بناء الثقة بين الموظفين وإدارة الدولة.
إقرأ أيضاً:زيادة الرواتب بنسبة 200% في سوريا تُشعل الأسعار وتثير جدلاً حول آثارها المعيشية