داما بوست | حسن عيسى
شهدت زيوت الطعام في سورية تقلباتٍ كبيرةً في أسعارها خلال السنوات الماضية، معطيات عدة ساهمت في انهيار سعر صرف الليرة أمام الدولار، الأمر الذي أثّر سلباً في قدرة المواطنين على شراء المواد الغذائية، بما فيها الزيوت.
أحد العوامل الرئيسية التي أثرت على أسعار الزيوت كان الحرب التي تسببت في تدمير البنية التحتية والمنشآت الزراعية والصناعية، وانقطاع الكهرباء والماء والوقود، وتشتت العمال والمزارعين، كما أدى الحصار الاقتصادي إلى تضييق الخناق على الحكومة ومنعها من استيراد المواد الأساسية، بما فيها زيت الزيتون والزيت النباتي، من الأسواق الخارجية، ما تسبب بنقص هذه المواد من الأسواق وارتفاع أسعارها.
عوامل أخرى لعبت دوراً مهماً في تحديد أسعار الزيوت في سورية، تمثّلت بالفساد والاحتكار، في ظل وجود شبكاتٍ من التجار والمستوردين والموزعين، يستغلون الظروف الصعبة التي يمر بها المواطنون، للحصول على أرباح طائلة، عبر رفع أسعار هذه المواد بشكلٍ مبالغ فيه، أو إخفائها عن الأسواق لإثارة حالة من الذعر والطلب المفرط، الأمر الذي حاولت الحكومة معالجته لكن بحدودٍ معينة، بحسب خبراء.
منافسة ملتهبة!
ووفقاً لحساباتٍ أجريناها في داما بوست، ارتفع متوسّط سعر لتر زيت الزيتون من 120 ليرة في عام 2010 إلى ما يقارب 30 ألف ليرة في عام 2023، بنسبة تضخم بلغت نحو 25000%، أما سعر لتر الزيت النباتي فارتفع من 100 ليرة في عام 2010 إلى 17000 ليرة في عام 2023، بنسبة تضخم قاربت 17000%، أي أن الموظّف الحكومي بات قادراً على شراء 4.5 لتر زيت زيتون أو 8 لتر زيت نباتي فقط، باعتبار أن متوسط الرواتب الحكومية اليوم هو 140 ألف ليرة، في حين أنه كان قادراً على شراء 108 لتر زيت زيتون أو 130 لتر زيت نباتي قبل 13 عام.
وبحساباتٍ تفصيلية، قفز متوسط سعر اللتر الواحد من زيت الزيتون إلى نحو 1000 ليرة في عام 2015، بنسبة تضخّم بلغت 700%، وفي عام 2020 ارتفع سعر الليتر إلى ما يُقارب 5000 بنسبة تضخم 500%، لتتكرر تلك النسبة عام 2023 عند وصول السعر إلى نحو 30 ألف ليرة، في المقابل ارتفع متوسط سعر لتر الزيت النباتي إلى 450 ليرة في العام 2015 بنسبة تضخم 350%، مواصلاً الارتفاع إلى ما يقارب 800 ليرة في 2019 بنسبة تضخم قاربت 78%، ليقفز إلى سعر 17 ألف ليرة بنسبة تضخّم بلغت أكثر من 2000%.
وبالرغم من كون زيت الزيتون أغلى ثمناً من الزيت النباتي، إلى أن سباق التسارع بين سعريهما شهد تقارباً ملحوظاً منذ منتصف العام 2020 وحتى منتصف 2023، نتيجة تداعيات أزمة كورونا واستمرار تراجع الليرة السورية أمام الدولار إضافةً إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، حتى توحّد سعر اللتر الواحد من المادتين في فترةٍ معينة بين 14 و17 ألف ليرة، قبل أن يتسيّد لتر زيت الزيتون المنافسة مجدداً عندما لامس سعره الـ 30 ألف ليرة، مؤخراً.
أسباب دون حلول
الباحث الاقتصادي د. “عمار يوسف” أشار لداما بوست إلى أن انهيار القدرة الشرائية لليرة السورية هو أكبر أسباب ارتفاع أسعار الزيوت، وأنه لم يعد هناك فرق بين المنتج الوطني وغير الوطني باعتبارها جميعها تٌعامل معاملة المستورد، لارتباطه بالدولار وبالقدرة الشرائية للمواطن، مبيناً أن سعر المنتج المحلي في بعض الأوقات يتفوق على المستورد نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج، وارتفاع أجور النقل.
ورأى “يوسف” أن حصر الاستيراد بأشخاص معينين من أكثر الأسباب تأثيراً على ارتفاع سعر الزيت، إضافةً إلى قرار السماح بالتصدير وما نتج عنه من تأثيرات على عملية تسويق المحصول في الداخل، معتبراً أنه لا يوجد حالياً أي حلول لمشكلة ارتفاع أسعار الزيوت، بالرغم من اقتراب موسم الزيتون الذي استبشر فيه البعض بوفرة في الإنتاج.
وأشار “يوسف” إلى دراسة سابقة أجراها عام 2020 تناقش فرضية تكاليف استيراد 1 طن من زيت عباد الشمس نخب أول أوكراني، حيث بلغت التكلفة حينها 250 دولار بحسب أسعار موقع “علي بابا”، مضافاً إليه تكلفة شحن الطن الواحد بقيمة 200 دولار، لتصبح التكلفة الإجمالية 450 دولار، أي ما يعادل 1125000 ليرة سورية، باعتبار أن سعر صرف المركزي للمستوردات حينها كان 2500 ليرة، ووفقاً لتلك الدراسة، فقد بلغت تكلفة علبة الزيت الواحدة التي تزن 1 كيلو 1125 ليرة، في حين أنها كانت تباع بالسوق بسعر 9000 ليرة، مبيناً أن المستوردين لا يزالون سبب رئيسي لارتفاع الأسعار.
وبحسب إحصاءات رسمية، تراجع إنتاج سورية من الزيتون منذ العام 2011 نتيجة الحرب التي عانت منها البلاد، فانخفض الإنتاج المحلي من المادة من 1.2 طن في العام 2010 إلى ما يقارب 590 ألف طن في العام 2021، وهو أدنى مستوى وصل إليه الإنتاج خلال السنوات الـ 11 الماضية، الأمر الذي ساهم في انخفاض إنتاج الزيت وارتفاع أسعاره على مدى تلك السنوات، لكن تقديرات وزارة الزراعة كشفت عن معاودة ارتفاع إنتاج المحصول في الموسم الماضي، ليبلغ 850 ألف طن، مع توقعات بازدياد الإنتاج عن ذلك في الموسم الحالي 2023.