الكونغرس الأميركي يُسقط “قانون قيصر” ويستبدله بآلية رقابية مشروطة
أقرّ الكونغرس الأميركي تشريعًا جديدًا يلغي بموجبه “قانون قيصر” الذي شكّل منذ عام 2019 الركيزة الأساسية للعقوبات الأميركية على سوريا، مستبدلًا إياه بآلية مراقبة سياسية وأمنية وإنسانية تعتمد على تقارير دورية يرفعها البيت الأبيض، لتقييم مدى التزام الحكومة السورية بجملة معايير محددة.
ويعد هذا التطور أول تعديل جذري في السياسة الأميركية تجاه دمشق منذ بدء العمل بقانون قيصر، مع الإشارة إلى أن الإلغاء لا يعني رفعًا شاملًا أو فوريًا للعقوبات، بل انتقالًا إلى نظام رقابة مشروط يربط أي تخفيف للعقوبات بسلوك الحكومة السورية خلال السنوات المقبلة.
آلية مراقبة تمتد لأربع سنوات
وبحسب التشريع الأميركي الجديد، لن يتم رفع العقوبات بشكل مباشر، إذ سيُقيَّم التزام دمشق بالمعايير المحددة كل 180 يومًا وعلى مدى أربع سنوات.
ويقدم الرئيس الأميركي أول تقرير تقييم خلال 90 يومًا من بدء نفاذ القانون، ثم تقارير نصف سنوية تتابع مدى التقدّم أو الإخفاق.
وتشمل المعايير الثمانية التي يعتمد عليها الكونغرس:
-
التعاون في مكافحة الإرهاب ومنع عودة “داعش” والقاعدة، عبر تنسيق فعلي مع الولايات المتحدة.
-
إخراج المقاتلين الأجانب من مواقع النفوذ داخل مؤسسات الجيش والأمن.
-
ضمان حقوق الأقليات الدينية والإثنية، وتأمين حرية العبادة والتمثيل العادل في مؤسسات الدولة.
-
وقف العمليات العسكرية غير المبررة ضد دول الجوار، بما في ذلك “إسرائيل”، مع متابعة تنفيذ الاتفاقات الأمنية الدولية.
-
تنفيذ اتفاق 10 آذار 2025 مع قوات سوريا الديمقراطية بشأن دمج القوى الأمنية والتمثيل السياسي.
-
مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ومنع انتشار الأسلحة المحظورة ودعم الجهات الخاضعة للعقوبات.
-
محاسبة المتورطين بانتهاكات حقوق الإنسان منذ كانون الأول/ديسمبر 2024، بما في ذلك المسؤولون عن مجزرة الأقليات الدينية.
-
وقف إنتاج وتهريب الكبتاغون واتخاذ خطوات قابلة للتحقق لوقف تجارة المخدرات عبر الحدود.
وتُلزم الوثيقة الرئيس الأميركي بإبلاغ الحكومة السورية بنتائج كل تقرير، وتنص على أنه في حال حصول دمشق على تقييم “غير إيجابي” مرتين متتاليتين، يمكن إعادة فرض عقوبات تستهدف أفرادًا أو كيانات محددة – من دون المساس بالعقوبات المتعلقة بالبضائع.
ماذا تغيّر فعليًا في السياسة الأميركية؟
التشريع الجديد لا يرفع العقوبات القائمة، لكنه يعيد هيكلة المنظومة القانونية التي كانت تعتمد على عقوبات شاملة واسعة التأثير.
وبموجب الآلية المستحدثة، تتحول السياسة الأميركية تجاه دمشق من نظام عقوبات ثابت إلى نظام رقابة وتقييم مشروط، يسمح بمرونة أكبر في التعامل مع الحكومة السورية، ويربط أي خطوة إيجابية بمدى التزامها بالمعايير الموضوعة.
وتتيح الصيغة الجديدة للرئيس الأميركي إمكانية فرض عقوبات إضافية على أفراد محددين في حال عدم تحقيق الشروط المطلوبة، ما يمنح واشنطن مساحة للتحرك بين الضغط والتخفيف، بحسب السلوك السوري.
رسائل سياسية وإعادة رسم العلاقة مع دمشق
يمثل هذا التحول إشارة سياسية لافتة، إذ يرى مراقبون أنه يعيد فتح النقاش حول مستقبل العلاقة بين الولايات المتحدة وسوريا، ويحوّل “قيصر” من أداة عقابية إلى خارطة طريق سياسية قابلة للقياس.
وبينما يبقي التشريع على الضغوط المفروضة على دمشق، فإنه يرسم مسارًا تدريجيًا قد يقود — في حال تلبية الشروط — إلى تخفيف جزئي ومنظم للعقوبات، أو قد يفضي — في حال الإخفاق — إلى عودة عقوبات أكثر دقة ضد الجهات المتورطة.
وبذلك، تدخل السياسة الأميركية تجاه سوريا مرحلة جديدة تعتمد على المراقبة، والاشتراط، وتدريج التخفيف، ما يضع الحكومة السورية أمام اختبار مستمر خلال السنوات الأربع المقبلة، ويجعل مسار العلاقات الثنائية مرتبطًا بمدى الالتزام بمعايير تتقاطع مع ملفات الإرهاب، وحقوق الإنسان، والتمثيل السياسي، وضبط الحدود، وإنهاء اقتصاد المخدرات.