الكهرباء بعد التحرير: هل يدفع السوريون ثمن العدالة أم عبء الفجوات المالية؟

مع انطلاق إدارة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع مرحلة ما بعد التحرير في سوريا، تصدر ملف الكهرباء النقاشات الاقتصادية باعتباره أحد أبرز مؤشرات سياسات الحكومة الجديدة، ومدى التزامها بوعود الإصلاح.

منذ ديسمبر 2024، شهدت تعرفة الكهرباء زيادة تتراوح بين 150 و400 بالمئة بحسب الشرائح الاستهلاكية، مقارنة بأسعار ما قبل التحرير التي كانت منخفضة لكنها استنزفت الخزينة بسبب الدعم الكبير المخصص لها.

السعر الحقيقي أم عبء جديد؟

تساءل الشارع السوري عما إذا كان المواطن يدفع اليوم “السعر الحقيقي”، أم يتحمل تراكم سنوات من سوء الإدارة، لتتحول كلفتها إلى عبء إضافي على أسر فقدت جزءًا كبيرًا من قدرتها الشرائية.

الخبير الاقتصادي جورج خزام يرى أن القول بأن الأسعار السابقة للكهرباء والخبز والمحروقات كانت غير حقيقية، والأسعار الحالية تمثل “السعر العادل”، هو تبسيط مخل للواقع ومتناقض مع مبادئ العدالة المالية.

ويؤكد أن السياسات الاقتصادية الصحيحة تقوم على إعادة توزيع عادل للثروة، حيث تُفرض الضرائب وفق مستويات الدخل، وتُعاد إلى المجتمع على شكل خدمات عامة أو تخفيضات على المواد الأساسية.

عبء المعيشة والتفاوت الاقتصادي

وفق خزام، تخفيض أسعار الكهرباء ليس منحة من الدولة، بل استرداد لما يدفعه المواطن عبر النظام الضريبي.

مع ذلك، فإن مقارنة الدخل الوسطي للأسرة السورية، الذي يتراوح بين 75 و125 دولارًا شهريًا، مع فاتورة كهرباء قد تصل إلى 15٪ من الدخل، تُظهر حجم العبء، خاصة أن ساعات التيار الكهربائي محدودة والاستقرار ضعيف.

وتشير تقديرات أممية إلى أن نحو 90٪ من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، ما يجعل أي زيادة في أسعار الطاقة محركًا للاحتقان الاقتصادي والاجتماعي.

المبررات الحكومية

تدافع الحكومة عن رفع الأسعار بالقول إن ذلك ضروري لتغطية فجوة تكاليف الإنتاج والتوزيع، ولتقليل عجز قطاع الطاقة الذي استنزف موارد الدولة، وقد أدى الدعم سابقًا إلى استهلاك نحو 15٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وترى الإدارة أن الوصول إلى “السعر الحقيقي” شرط لجذب استثمارات القطاع الخاص لإعادة تأهيل الشبكة المتهالكة، معتبرة استمرار الدعم السلعي “انتحارًا ماليًا”.

فقر الطاقة وانعكاسات الإصلاح

خزام يحلل هذه السياسات من منظور مالي، مشيرًا إلى أن تطبيق آليات السوق الحرة في غياب شبكات الأمان الاجتماعي تبسيط مخل للمعادلة الاقتصادية. ويدعو إلى أن تُعاد الضرائب التي يدفعها المواطن في صورة خدمات أساسية مدعومة، بدل أن تتحول الدولة إلى “تاجر” يبيع الخدمات بسعر التكلفة دون مراعاة إعادة ضخ العوائد الضريبية لتخفيف أعباء المعيشة.

ويحذر من أن تجاهل العدالة في توزيع كلفة المعيشة قد يؤدي إلى أزمات سياسية، لأن اختلال التوازن بين الدخل وتكلفة الحياة يُشعر المواطنين بالضغوط اليومية، ويهدد الاستقرار الاقتصادي والسياسي.

خلاصة

أي إصلاح اقتصادي لا يبدأ بإعادة التوازن بين دخل المواطن وتكلفة المعيشة، ولا يضمن حماية الفئات الهشة، سيكون إصلاحًا ناقصًا، وقد يفتح الباب أمام مزيد من التوترات، بدل أن يحقق أهداف الانتقال الاقتصادي والسياسي.

 

اقرأ أيضاً:غضب شعبي في سوريا بعد قرار رفع أسعار الإنترنت والكهرباء

اقرأ أيضاً:عام على سقوط الأسد… السوريون بين واقع يزداد قسوة ووعود حكومية

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.