سوريا بين الاختبار والاستخدام.. كيف تحوّل مشروع “الإسلام السياسي” إلى أداة في يد القوى الدولية؟

المصدر: الباحثة السورية سالي عبيد عبر منصة "إكس"

في الثالث والعشرين من كانون الثاني/يناير 2025، جلس وزير الخارجية في الحكومة السورية الانتقالية أسعد الشيباني مقابل رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير خلال فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس.

لم يكن اللقاء مجرّد حضور رمزي أو مصافحة بروتوكولية، بل مشهدًا سياسيًا يعكس مرحلة جديدة في التجربة السورية: الانتقال من كونها “حالة اختبار” إلى “أداة في مشروع دولي أوسع”، يعيد إحياء نظرية بريطانية قديمة تقوم على تفكيك الإسلام السياسي من الداخل عبر منحه الحكم بدلًا من محاربته.

الجذور البريطانية للفكرة: من إيرلندا إلى الشرق الأوسط:

تعود جذور هذه النظرية إلى تسعينيات القرن الماضي، عندما توصّل جوناثان باول، كبير مستشاري توني بلير، إلى قناعة خلال مفاوضات إيرلندا الشمالية بأن الجماعات العقائدية لا تُهزم بالقوة، بل بالمسؤولية.

فمنحها السلطة يكشف محدوديتها الفكرية وتناقضاتها الداخلية. لاحقًا، تبنّت الخارجية البريطانية هذه المقاربة دبلوماسيًا، وأُنشئت منظمة Inter Mediate عام 2011 لتطبيقها في مناطق النزاع مثل اليمن، أفغانستان، وسوريا.

التجربة السورية: من الدمج إلى الاستخدام:

في الحالة السورية، جرى تطبيق الفكرة عملياً عبر إدماج تيارات الإسلام السياسي في مؤسسات الحكم وإعادة تسويقها دولياً على أنها نموذج “معتدل”. ومع الوقت، تحوّل هذا الإدماج إلى مشروع سياسي قائم بذاته تشرف عليه قوى غربية بوصفه وسيلة لـ”إدارة الفوضى” بدلاً من إنهائها.

وهنا برز رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، الذي صعد إلى السلطة ليس عبر عملية انتقال داخلي منظمة، بل كجزء من مقاربة دولية لاختبار قابلية التيارات العقائدية للحكم المستقر. إلا أنّ النتيجة كانت عكسية، إذ تحوّل الحكم إلى واجهة أوليغارشية جديدة (هي نظام حكم، تسيطر فيه مجموعة صغيرة من الأفراد على السلطة السياسية أو الاقتصادية في بلد معين) تُدار من خلف الكواليس عبر تحالفات مالية وعشائرية وأمنية أعادت إنتاج المنظومة القديمة بثوب أكثر جرأة وأقل انضباطًا.

واشنطن والشرع: دعم شكلي لاختبار الفشل:

تتعامل الولايات المتحدة، خاصة مع عودة التيار اليميني بقيادة دونالد ترامب، مع الشرع ليس كشريك بل كأداة اختبار سياسي. فالمساحة الإعلامية والسياسية الممنوحة له ليست دليل ثقة، بل وسيلة لكشف هشاشة التجربة وإثبات عدم قابليتها للإصلاح مهما تلقت من دعم.

تمارس واشنطن اليوم سياسة “الاحتواء عبر التضخيم”: فهي تدفع بالتجربة إلى الواجهة كي تنكشف تناقضاتها من تلقاء نفسها. فكلما توسّع الشرع في خطاب السلطة، بدا أكثر تشابهاً مع عقلية النظام السابق، مستبدلاً المؤسسات الرسمية بمجموعات نفوذ محلية وشبكات مصالح مغلقة.

زيارة واشنطن: اختبار للفكرة لا للشخص:

الزيارة المرتقبة لـ أحمد الشرع إلى واشنطن تأتي ضمن هذا السياق. فهي ليست تكريماً ولا اعترافاً بشرعيته، بل جزء من تكتيك أمريكي محسوب يهدف إلى تقديمه كنموذج حي لفشل تجربة الإسلام السياسي في الحكم، حتى في أكثر صورها “اعتدالاً”.

قبوله في البيت الأبيض أو السماح له بالحديث في الأمم المتحدة لا يعكسان قناعة بتمثيله لسوريا، بل رغبة أمريكية في توظيف التجربة لإثبات أن الحكم العقائدي، في النهاية، يعيد إنتاج السلطوية بشكل قبلي وغير قابل للتطور.

شرعية شكلية ونظام في أزمة:

يمثل أحمد الشرع اليوم أزمة سياسية وأخلاقية مزدوجة، إذ يتحدث باسم سوريا دون تفويض شعبي أو دستوري. فهو لا يمثل دولة مؤسسات، بل شبكة مصالح مغلقة أعادت تدوير الفساد بثوب جديد.

الدعم الدولي الذي يتلقاه ليس مكافأة، بل أداة كشف تتيح للنظام المؤقت أن يسقط من تلقاء نفسه، قبل أن يُستخدم فشله لتبرير موقف دولي موحّد ضد التيارات العقائدية في الشرق الأوسط.

الإدارة الحالية للسلطة الموقّتة لا تحتاج إلى تقصٍّ عميق لتُدان، لأن فشلها لم يعد احتمالًا، بل حقيقة تُرى في كل ما تمارسه من خطاب وسلوك وبنية حكم.

إقرأ أيضاً: زيارة الشرع إلى واشنطن بين تثبيت الشرعية ومنطق الصفقات

إقرأ أيضاً: ترامب: الشرع يعمل جيداً وقد يزور البيت الأبيض

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.