برغم إعلان كل من الحكومة السورية الإنتقالية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التوصل إلى اتفاق تهدئة شامل، بعد الاشتباكات التي اندلعت مؤخراً في حيي الأشرفية والشيخ مقصود شمالي مدينة حلب، لا تزال الشكوك تحوم حول إمكانية صمود هذا الاتفاق، في ظل التوترات المستمرة بين الجانبين وتزايد التعقيد في ملف شرق سوريا.
وشهد الحيّان، الاثنين الماضي، اشتباكات مسلحة بين قوات الأمن العام السوري ووحدات الأسايش التابعة لـ”قسد”، أدت إلى مقتل مدنيين اثنين وإصابة آخرين، إثر قصف مدفعي استهدف أحياء سكنية عدة في حلب. ما فاقم التوتر وأجج المخاوف من عودة التصعيد العسكري داخل المدينة.
اتهامات متبادلة
محافظ حلب عزام غريب أوضح في تصريحات لقناة “الإخبارية السورية”، أن المواجهات بدأت بعد “اعتداء عناصر من قسد على حاجز أمني”، ما أدى إلى مقتل عنصر من الأمن العام، تبعه رد بالقصف، تسبب بسقوط ضحايا مدنيين، ودفع المحافظة إلى تعليق الدوام الرسمي حرصاً على سلامة السكان.
في المقابل، نفى المكتب الإعلامي لـ”قسد” أي وجود عسكري لها في مدينة حلب منذ انسحابها في نيسان/أبريل الماضي بموجب تفاهم مع دمشق، مؤكداً أن ما جرى هو “نتيجة لسلسلة من الهجمات والحصار المفروض من قبل فصائل الحكومة”، مشيراً إلى “استمرار التضييق الأمني وقطع الإمدادات الطبية والإغاثية عن السكان”.
خلفيات أمنية وعسكرية
مصادر محلية كشفت أن الاشتباكات جاءت بعد اكتشاف الجيش السوري نفقاً يربط حي الأشرفية بمنطقة السبيل، يُعتقد أنه استخدم لتهريب السلاح وتحريك عناصر مسلحة داخل المدينة. وأوضحت أن تفجير النفق تبعه تنفيذ عمليات تمشيط في محيط المنطقة وإغلاق خطوط التهريب التي كانت نشطة بين ريف حلب الشرقي والأحياء الشمالية.
ويرى العميد المتقاعد عماد شحود أن التطورات الأخيرة “تكشف عن نوايا مبيتة من جانب قسد”، معتبراً أن “محاولاتها جرّ السلطة الجديدة في دمشق إلى مواجهة شاملة، تعكس رهاناتها على الغطاء الأميركي والغربي، واستغلال حالة الانقسام وضعف بنية الجيش السوري”.
هدنة هشة وتوازنات دقيقة
وبحسب شحود، فإن الاتفاق الأخير بين دمشق و”قسد” ليس سوى “هدنة هشة” فرضتها ضغوط أميركية خلال الاجتماع الذي عقد في دمشق بمشاركة وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، وقائد “قسد” مظلوم عبدي، ورئيسة الهيئة التنفيذية للإدارة الذاتية إلهام أحمد. ويعتقد أن أطرافاً مرتبطة بحزب العمال الكردستاني تسعى لإفشال أي تفاهم، “خصوصاً بعد وصول قيادات جديدة من جبل قنديل ورفضها لأي مسار نحو تسليم السلاح أو الاندماج في مؤسسات الدولة”.
ويضيف أن أمام الحكومة السورية خياراً واحداً في المرحلة الراهنة، يتمثل في “تجنّب الانجرار إلى مواجهة شاملة، ومواصلة ضبط الميدان عبر الإجراءات الوقائية والمراقبة اللوجستية، بما في ذلك استخدام أجهزة كشف الأنفاق والمسارات تحت الأرض”.
البعد الإقليمي والدولي
في موازاة ذلك، يرى محللون سياسيون أن ما جرى في حلب مرتبط بتعقّد مسار التفاوض بين دمشق و”قسد”، إضافة إلى قراءتها للدعم الأميركي المتجدد كإشارة لرفع سقف مطالبها. كما تأتي التطورات بعد تصريحات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال زيارته إلى الولايات المتحدة، دعا فيها إلى “دمج قوات قسد ضمن بنية الجيش السوري عبر السبل الدبلوماسية”.
الكاتب السياسي الدكتور باسل معراوي اعتبر أن “قسد” أخطأت في تقدير المتغيرات الإقليمية بعد “طوفان الأقصى”، موضحاً أن تصريحات أردوغان فُهمت بشكل مغاير من قبل قيادة قسد، التي ما زالت ترى نفسها “حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة”، متجاهلة التحولات التي تشهدها المنطقة.
وأضاف معراوي أن اللقاء الذي جمع وفد “قسد” بمسؤولين في دمشق “جاء بضغط أميركي مباشر”، مشيراً إلى أن اشتباكات حلب كانت محاولة لتخريب ذلك المسار، لكنها “لم تحقق أهدافها، إذ ما زال باب التفاوض مفتوحاً وإن بحدود ضيقة”.
مرحلة صبر وانتظار
وبينما تبدو الهدنة الحالية أشبه بوقف مؤقت لإطلاق النار أكثر من كونها اتفاقاً دائماً، يترقب الطرفان المراحل المقبلة بقدر كبير من الحذر، وسط حسابات دقيقة وتكتيكات متبادلة. فدمشق، التي تسعى لإعادة ضبط الملف الكردي ضمن إطار وطني، تواجه في المقابل قوى داخل “قسد” تراهن على البقاء تحت المظلة الأميركية، ما يجعل الملف برمّته يدخل – كما يصفه مراقبون – مرحلة “الصبر ونصب الأفخاخ”.