تقرير حقوقي: “قسد” تنفذ حملة اعتقالات وتجنيد قسري في الرقة ودير الزور
كشفت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في تقرير صدر من دمشق، عن تنفيذ قوات سوريا الديمقراطية (قسد) حملة واسعة من الاعتقالات والتجنيد القسري في محافظتي الرقة ودير الزور خلال الفترة الممتدة بين 29 أيلول و5 تشرين الأول 2025، أسفرت عن احتجاز 113 شخصاً، بينهم 12 طفلاً وعدد من طلاب المعاهد، في انتهاك واضح للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات حماية المدنيين.
مداهمات واعتقالات في مناطق مدنية
وأوضحت الشبكة أن قوات قسد نفذت مداهمات متزامنة في عدد من أحياء مدينة الرقة، شملت حي 23 شباط وشارع الوادي ومنطقة الكراجات ومساكن التأمينات، إضافة إلى بلدة ذيبان في ريف دير الزور الشرقي، وأقامت نقاط تفتيش على مداخل المدن والقرى المجاورة.
وخلال هذه العمليات، تم احتجاز عشرات المدنيين واقتيادهم إلى مراكز تابعة لقسد تمهيداً لنقلهم إلى معسكرات التجنيد الإجباري، حيث أشارت الشبكة إلى أن بعض المعتقلين تعرضوا لضرب وسوء معاملة أثناء عملية الاحتجاز، بينما لا يزال مصير معظمهم مجهولاً حتى الآن.
وبحسب مصادر ميدانية نقل عنها التقرير، تصاعد التوتر داخل المدينة إثر موجة الاعتقالات، ما دفع القوات إلى الإفراج عن 73 محتجزاً، بينهم أربعة أطفال، بعد أيام من توقيفهم، فيما تستمر الحملة بوتيرة أقل في مناطق أخرى من شمال شرق سوريا.
خرق للقانون الدولي وحقوق الطفل
أدانت الشبكة الحقوقية جميع أشكال التجنيد الإجباري التي تمارسها قوات قسد، معتبرة أنها تشكّل انتهاكاً صريحاً للقانون الدولي الإنساني ولاتفاقية حقوق الطفل التي تحظر إشراك القاصرين في أي أنشطة عسكرية.
وأكدت أن هذه الممارسات “لا يمكن تبريرها تحت أي ذريعة أمنية أو تنظيمية”، مشيرة إلى أن الاعتقال التعسفي دون مذكرة قضائية وسوق المدنيين بالقوة إلى معسكرات التجنيد يمثلان خرقاً مزدوجاً لحقوق الإنسان وكرامته.
انتهاكات جسيمة بحق المدنيين
أشارت الشبكة في تقريرها إلى أن عمليات قسد تمثل انتهاكاً واضحاً للمادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تحظر الاعتقال التعسفي، والمادة 3 المشتركة من اتفاقيات جنيف التي تكفل حماية المدنيين في النزاعات المسلحة.
كما اعتبرت أن تجنيد الأطفال وطلاب المعاهد جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، مؤكدة أن بعض المحتجزين تعرضوا للتعذيب والإهانات أثناء احتجازهم، ما يرفع الانتهاك إلى مستوى المسؤولية الجنائية الفردية بحق منفذي الأوامر ومشرفيهم.
ورأت الشبكة أن هذه الممارسات تعكس سياسة ممنهجة لإجبار السكان على الالتحاق بالتجنيد الإجباري، وسط غياب الشفافية والمساءلة في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات قسد.
مسؤولية القيادة في قوات قسد
حمّلت الشبكة القيادة السياسية والعسكرية لقسد المسؤولية القانونية الكاملة عن هذه الانتهاكات، باعتبارها الجهة المسيطرة فعلياً على الأرض، مشددة على أن واجب القيادة يتطلب منع الانتهاكات والتحقيق فيها ومحاسبة مرتكبيها، لا التستر عليها أو تبريرها.
كما نبه التقرير إلى أن تكرار هذه الانتهاكات يضع الجهات الدولية الداعمة لقسد أمام مسؤوليات قانونية وأخلاقية، داعياً إلى مراجعة سياسات الدعم والتمويل العسكري المقدمة لها في ضوء التقارير الحقوقية التي توثق أنماطاً متكررة من الاعتداءات ضد المدنيين.
مطالب عاجلة للمنظمات الدولية
وجهت الشبكة جملة من المطالب إلى المجتمع الدولي والمنظمات الأممية، وفي مقدمتها المفوضية السامية لحقوق الإنسان ولجنة التحقيق الدولية، للضغط على قسد من أجل الإفراج الفوري عن جميع المحتجزين تعسفاً والكشف عن مصير المختفين قسراً، وإدراج هذه الانتهاكات ضمن تقارير مجلس حقوق الإنسان حول ملف التجنيد القسري في سوريا.
كما طالبت الشبكة الحكومة السورية بـإدراج قضية المحتجزين ضمن المفاوضات الجارية مع قسد، وتقديم الدعم القانوني والنفسي لعائلات الضحايا، بالتعاون مع منظمات حقوقية مستقلة.
ودعت أيضاً المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية الدولية إلى توثيق الأدلة المتعلقة بالانتهاكات ورفعها إلى الهيئات القضائية المختصة، مع تعزيز حملات التوعية بخطورة التجنيد القسري على النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي في شمال شرق البلاد.
دعوة لإنهاء الإفلات من العقاب
وختمت الشبكة تقريرها بالتأكيد على أن استمرار هذه الممارسات في ظل غياب المحاسبة يشجع على تكرار الانتهاكات ويقوّض أي جهود لإرساء الاستقرار، داعية المجتمع الدولي إلى تبنّي موقف واضح وصارم من ظاهرة التجنيد القسري، ودعم مساعي تفعيل آليات المساءلة الدولية وإنهاء الإفلات من العقاب في سوريا.
وأشارت إلى أن حماية المدنيين وضمان حقوق الأطفال ليست مسؤولية محلية فقط، بل واجب دولي يستدعي تدخلاً عاجلاً لوقف الانتهاكات، معتبرة أن السكوت عنها يعني ترسيخ ثقافة القهر والإكراه في المناطق الخارجة عن سلطة الدولة.
اقرأ أيضاً:تصاعد التوترات في سوريا: الشرع يواجه تحديات جديدة في تفاوضاته مع “قسد”