الانتخابات البرلمانية تكشف عمق أزمة تمثيل المرأة.. حلب نموذجاً
كشفت نتائج انتخابات مجلس الشعب السوري الأخيرة عن تراجع كبير في التمثيل النسائي، سواء على مستوى محافظة حلب أو في عموم البلاد، رغم الزخم الذي رافق الحملات الانتخابية للكتل النسائية والدعوات إلى تعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية.
ففي حلب، وهي من أكبر المحافظات السورية من حيث عدد السكان والثقل السياسي، فشلت معظم القوائم النسائية في تحقيق أي اختراق داخل الدوائر الانتخابية، إذ لم تفز سوى امرأة واحدة في منطقة عفرين بمقعد برلماني، لتكون الممثلة الوحيدة لنساء المحافظة في المجلس الجديد.
النتائج في دوائر سمعان وجرابلس ومنبج واعزاز والباب عكست إخفاقاً عاماً في التنسيق النسوي، حيث تفرقت الأصوات على عدد كبير من المرشحات والمرشحين، ما أدى إلى ذوبان الكتلة النسائية في المنافسة الانتخابية التي طغت عليها الولاءات العشائرية والمناطقية.
تشتت الأصوات وغياب الكتلة النسائية الموحدة
تقول المرشحة السابقة عن دائرة اعزاز علياء الأحمد إن النساء في سوريا ما زلن يعانين من التهميش والإقصاء رغم ما راكمنه من خبرات وكفاءات. وتضيف أن قلة عدد النساء الفاعلات في الهيئات الانتخابية وضعف التنسيق بينهن ساهما في تشتت الأصوات النسائية، إلى جانب ضعف الدعم اللوجستي والإعلامي لمرشحات الكتل النسائية، ما جعل أغلب الناخبات يصوتن للمرشحين الرجال المدعومين من شبكات عشائرية أو محلية قوية.
وترى الأحمد أن غياب نظام “الكوتا النسائية” ساهم بشكل مباشر في إقصاء النساء عن مقاعد البرلمان، معتبرة أن اعتماد كوتا واضحة سيضمن تمثيلاً أكثر عدلاً للمرأة السورية ويمنحها حضوراً مؤثراً في عملية صنع القرار.
بدورها، أكدت المهندسة صبا محمود، عضو إحدى الهيئات الناخبة في حلب، أن ضعف التنسيق بين المرشحات والانقسامات الشخصية والمناطقية كانت من أبرز أسباب الفشل، مشيرة إلى أن بعض المجموعات النسائية انقسمت حتى داخل وسائل التواصل الاجتماعي، ما أفقد الجهود المشتركة زخمها.
تجربة انتخابية محدودة ولكنها مهمة
من جانبها، رأت المرشحة إيمان هاشم أن التجربة رغم إخفاقها تُعد خطوة مهمة في طريق ترسيخ المشاركة السياسية للنساء. وأوضحت أن ضيق المدة الزمنية التي سبقت الانتخابات وعدم معرفة المرشحات ببعضهن حال دون بناء جبهة نسائية موحدة أو الاتفاق على قوائم توافقية، مشيرة إلى أن بعض المرشحات لم يلتقين إلا قبيل أيام من التصويت.
وأكدت هاشم أن الكثافة العالية للمرشحين الرجال جعلت مهمة النساء شبه مستحيلة، إذ بلغ عددهم في دائرة سمعان وحدها أكثر من 200 مرشح من أصل نحو 700 عضو في الهيئة الناخبة، ما جعل التحالفات الذكورية أكثر تأثيراً ومرونة.
السياق الوطني: ضعف تمثيل المرأة على مستوى البلاد
على الصعيد الوطني، لم تتجاوز نسبة تمثيل النساء في مجلس الشعب الجديد 3%، رغم أن اللجنة العليا للانتخابات كانت قد حدّدت سابقاً نسبة 20% كحد أدنى للتمثيل النسائي.
ووفقاً لبيانات اللجنة، بلغت نسبة النساء ضمن الهيئات الانتخابية نحو 14% فقط من إجمالي 1578 مرشحاً على مستوى المحافظات، بينما غابت المرأة تماماً عن مقاعد محافظات كبرى مثل دمشق وريفها وحلب، رغم حضورها العددي في الهيئات الناخبة.
وأرجع رئيس اللجنة العليا للانتخابات محمد طه الأحمد هذه النتيجة إلى “التحديات الميدانية والتنظيمية”، فيما اعتبرتها مرشحات نسويات دليلاً على استمرار التمييز الهيكلي وضعف البنية السياسية القادرة على دعم المرأة في المنافسات الانتخابية.
المرأة.. الحلقة الأضعف في التحالفات الانتخابية
المرشحة عن دمشق كندة حواصلي قالت في حديثها إن النساء كنّ “العنصر الأضعف” داخل التحالفات الانتخابية، لأن العملية لم تركز على الكفاءة أو البرامج السياسية بقدر ما ارتكزت على الحسابات المناطقية وعدد الأصوات المضمونة.
وأضافت أن محدودية عدد الأصوات النسائية في الهيئات الناخبة جعلت من الصعب أن يشكلن وزناً حقيقياً يمكن البناء عليه لتحقيق الفوز، حتى في حال اتفاقهن على مرشحة واحدة.
وتشير حواصلي إلى أن ضعف التواصل بين المرشحات وغياب التدريب الانتخابي والوعي التنظيمي كلها عوامل أدت إلى هذا التراجع، لافتة إلى أن كثيراً من الناخبات شاركن في التصويت دون معرفة كافية ببرامج المرشحات أو مواقفهن السياسية.
أما المرشحة شيماء مازن دلعو فرأت أن السبب الأعمق يكمن في “طبيعة اللعبة السياسية” التي تهيمن عليها تحالفات الرجال القائمة على النفوذ المحلي والمصالح المتبادلة، مضيفة أن المرأة لم تملك في هذه الدورة الكتلة التصويتية أو التحالفات اللازمة لتثبيت حضورها ضمن المعادلة الانتخابية.
دعوات لتبني كوتا نسائية وإصلاح انتخابي شامل
ترى المرشحات والباحثات أن معالجة ضعف تمثيل النساء تتطلب إجراءات عاجلة، منها تبني نظام كوتا مؤقت يخصص مقاعد محددة للنساء لدورتين أو ثلاث على الأقل، مع تطوير آلية احتساب الأصوات بما يمنح المقاعد لأكثر المرشحات حصولاً على الأصوات داخل تلك النسبة.
كما أكدن على ضرورة إطلاق قانون جديد للأحزاب لضمان أن تكون التحالفات قائمة على البرامج السياسية لا على الولاءات المناطقية، إلى جانب حملات توعية لبناء ثقافة مجتمعية داعمة لتمكين المرأة في القيادة والقرار السياسي.
ما بعد الانتخابات: تمثيل رمزي وتحديات مستمرة
برغم رمزية فوز مرشحة واحدة عن عفرين، تبقى مشاركة النساء في الحياة السياسية محدودة ومقيدة بعوامل مجتمعية وتنظيمية عميقة. فالمسار التشريعي السوري، رغم إقراره المبكر بحقوق المرأة منذ منتصف القرن الماضي، لم ينجح حتى اليوم في ترجمة تلك النصوص إلى واقع سياسي فعلي.
ويرى مراقبون أن استبعاد النساء من مواقع القرار لا يمثل خسارة لهن فحسب، بل يفرغ العملية السياسية من نصف طاقتها المجتمعية، مؤكدين أن بناء مستقبل سياسي متوازن يتطلب مشاركة المرأة الكاملة في التشريع وصناعة القرار لضمان عدالة التمثيل واستقرار الدولة.
اقرأ أيضاً:تمثيل المرأة السورية في السلطة: هل نظرة المجتمع “القاصرة” تعيق صناعة القرار؟