الليرة السورية الجديدة: بين وعود المركزي ومخاوف تفاقم التضخم
يستعد مصرف سورية المركزي لإطلاق إصدار جديد من الليرة السورية، في خطوة يقول إنها تهدف إلى تحديث العملة الوطنية وتسهيل التعاملات اليومية، لكنها تثير في المقابل تساؤلات واسعة حول قدرتها على معالجة أزمتي السيولة والتضخم اللتين تعصفان بالاقتصاد السوري منذ سنوات.
فبحسب تصريحات حاكم مصرف سورية المركزي عبد القادر حصرية لوكالة الأنباء السورية “سانا”، فإن الليرة الجديدة ستتضمن ست فئات نقدية مختلفة، وستكون “خالية من الصور والرموز” بما يتماشى مع الاتجاه العالمي نحو التصميم البسيط والنظيف. وأوضح حصرية أن هذه الفئات ستغطي احتياجات التداول اليومية بكفاءة أكبر، وأن تفاصيل كل فئة ستُعلن تباعاً بعد استكمال الإجراءات الفنية الخاصة بالطباعة.
وأكد حصرية أن العملة الجديدة ليست مجرد أوراق مالية، بل “هوية وطنية معاصرة”، مشيراً إلى أن عملية الإصدار سترافقها إجراءات نقدية مشددة لضبط السيولة واستقرار الأسعار، عبر مراقبة السوق النقدي وضبط حركة الكتلة النقدية المتداولة وتفعيل أدوات السياسة النقدية “لضمان عدم حدوث تضخم أو مضاربات”.
لكن هذه الطروحات الرسمية لا تبدو كافية لإقناع الخبراء الاقتصاديين، الذين يرون في الخطوة إجراءً شكلياً أكثر منه إصلاحاً نقدياً حقيقياً.
الخبير الاقتصادي الدكتور نادر حموي أوضح في حديث لـ“العربي الجديد” أن إصدار العملة الجديدة “خطوة إيجابية من حيث الشكل، لكنها لن تغيّر من الواقع الاقتصادي شيئاً ما لم تُرفَق بسياسات إصلاحية شاملة”. وأضاف أن الطباعة دون سحب فائض السيولة من السوق “ستؤدي إلى زيادة التضخم بدلاً من الحد منه”.
وأشار حموي إلى أن تكاليف الطباعة نفسها غير معلنة، ما يثير الشكوك حول جدواها الاقتصادية في ظل الانهيار المالي العام، موضحاً أن “مبالغ كبيرة تُهدر لطباعة أوراق جديدة، في وقت يعاني فيه الاقتصاد من انكماش حاد وضعف في الإنتاج”.
كما لفت إلى أن نجاح الإصدار النقدي الجديد يتطلب بيئة مالية مستقرة، وهو أمر غير متوفر في سوريا حالياً بسبب استمرار المضاربات في السوق الموازية، وضعف الثقة بالنظام المصرفي، وانعدام الشمول المالي. “فالتحول نحو التعاملات الإلكترونية غير ممكن حالياً مع ضعف الإنترنت وانقطاع الكهرباء، لذلك تبقى الليرة الورقية في قلب الأزمة لا خارجها”، على حد تعبيره.
بين الثقة والواقع
وكان المصرف المركزي قد أعلن في وقت سابق أن عملية إصدار العملة الجديدة تأتي ضمن خطة “تطوير البنية النقدية وتسهيل التعاملات اليومية” كجزء من عملية الإصلاح المالي. إلا أن كثيرين يرون أن الإصدار، مهما كان مظهره “حديثاً”، لن يكون كافياً لاستعادة الثقة بالعملة ما لم يُرفَق بإجراءات جذرية تشمل ضبط السوق السوداء، وإعادة هيكلة النظام المصرفي، وتفعيل أدوات الرقابة المالية.
وفي ظل غياب الشفافية حول حجم الكتلة النقدية الجديدة وتكاليف إنتاجها، تبدو الليرة السورية أمام اختبار حقيقي بين الوعود الرسمية والواقع الاقتصادي المتدهور. فبينما يروّج المصرف المركزي للعملة الجديدة باعتبارها عنواناً للتحديث والاستقرار، يخشى الاقتصاديون من أن تكون مجرد “ورقة جديدة لقصة قديمة” عنوانها التضخم وفقدان الثقة بالعملة الوطنية.
مصرف سوريا المركزي يعلن إنشاء مديرية لحماية المستهلك المالي لتعزيز الثقة