في مشهد يعكس حجم الانقسام العميق الذي يعيشه السوريون، أعلنت محافظة السويداء عن إطلاق حملة وطنية بعنوان “السويداء منا وفينا”، تهدف -بحسب منظميها- إلى تعزيز التضامن بين السوريين ودعم محافظة السويداء، التي عانت ولا زالت خلال الأشهر الأخيرة من أزمات اقتصادية وأمنية.
الحملة، التي يُنتظر أن تُقام في قرية الصورة الكبرى يوم الأحد القادم، الموافق 12 تشرين الأول، حظيت بتغطية إعلامية، وشارَك في الترويج لها الفنانان جهاد عبدو ومكسيم خليل، مؤكدين في مقاطع مصورة على “أهمية الوقوف مع أهالي السويداء”.
لكن ما بدأ كمبادرة تضامنية، سرعان ما تحوّل إلى جدل واسع وحملة رفض شرسة، ليس فقط من داخل السويداء، بل من شرائح واسعة من السوريين في الداخل والخارج، لتُطرح أسئلة مؤلمة وصادمة حول جدوى التضامن المتأخر، والعلاقات التي تتعقد بين مكونات المجتمع السوري.
حملة مضادة: “فشرتو”.. من أين جاء التضامن الآن؟
الرد الشعبي في السويداء لم يتأخر. فقد أطلق ناشطون وأهالٍ من المدينة حملة مضادة تحت وسم #فشرتو، وصفوها بأنها “صرخة وجع في وجه التواطؤ والنفاق الإعلامي”، وجاء في أبرز تعليقاتهم:
“عفوا، مين إنتوا؟ وفين كنتوا؟
لما كانت السويدا تنقتل، تنحرق، تنسرق، وتُغتصب؟
لما الكهرباء والمي والأكل انقطعوا عنا أسابيع؟
لما كنا عم نصرخ لحالنا بوجه داعش، وين كنتوا؟”
الكثيرون رأوا في الحملة الرسمية محاولة لإعادة إنتاج مشهد زائف من الوحدة الوطنية، دون الاعتراف بمواقف الصمت أو التواطؤ التي تعرضت لها السويداء خلال الأشهر السابقة. إذ يؤكد أهالي المحافظة أن التضامن الحقيقي لا يبدأ من الاحتفالات والشعارات، بل من المواقف الأخلاقية وقت الشدة، وهي -برأيهم- غابت.
انتقادات من جهات موالية للحكومة الانتقالية: “أين عشائر البدو؟”
ما زاد الطين بلة هو أن الرفض لم يأت فقط من معارضي السلطة الحاكمة أو أبناء السويداء الساخطين، بل أيضًا من شرائح موالية للسلطة، عبّروا عن غضبهم من تجاهل آلام فئة أخرى من المجتمع: عشائر البدو المهجرين من السويداء.
تساءل هؤلاء في منشورات على وسائل التواصل:
“هل تم نسيان مأساة المهجرين؟
لماذا لا يُذكر الضحايا من العشائر؟
أليست المصالحة الحقيقية تبدأ بالاعتراف بالخطأ والظلم الواقع على الجميع؟”
وهكذا، وجدت الحملة نفسها أمام نقطة حرجة: عوضًا عن أن تكون جسرًا بين السوريين، كشفت عن عمق الانقسام، وتراكم الوجع، وفقدان الثقة بين المكونات المختلفة، منذ وصول الحكومة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع إلى سدة الحكم في سوريا.
فنانون في مرمى النار:
رأى البعض في مشاركة جهاد عبدو ومكسيم خليل لفتة جميلة، فيما اتهمهم آخرون بـ”ركوب الموجة”، وسألوا: “لماذا لم نسمع صوتكم عندما كانت السويداء تنزف؟ لماذا لم نرَكم تدعمون صرخات المعتقلين والمحتجين؟”
هذه الانتقادات ليست جديدة في السياق السوري، حيث يُنظر بعين الشك لأي تضامن انتقائي ومتأخر، خاصة حين يأتي بعد الصمت على الانتهاكات.
تضامن هش أم فرصة للحوار الحقيقي؟
تكشف هذه الحملة وما أثارته من جدل عن الهوة العميقة بين الخطاب الرسمي والواقع الشعبي، وعن هشاشة محاولات “الوحدة الوطنية” حين لا تكون مبنية على عدالة، واعتراف، ومحاسبة حقيقية.
ففي بلد كُسرت فيه كل الروابط بفعل الحرب والسياسة، لا يكفي أن نقول “منا وفينا”، بل يجب أولًا أن نسأل: “هل كنا حقًا معهم؟ هل كنا فعلًا فيهم؟”
ربما تكون هذه الحملة فرصة ضائعة، أو بداية حوار مؤلم وضروري في آنٍ معًا.
إقرأ أيضاً: أسوشيتد برس: الدروز في السويداء..مطالبات بالإنفصال وإنفتاح غير مسبوق على إسرائيل
إقرأ أيضاً: الحرس الوطني يعلن إحباط محاولة تسلل لفصائل الحكومة الانتقالية بريف السويداء