داما بوست- خاص| شكلت حرب 7 أكتوير طوفان الأقصى ضربة قاصمة للاحتلال، ومن الطوفان خرجت موجات المقاومة الفلسطينية وعصفت من خلاله بكيان الاحتلال، وسببت به جرحاً عميقاً لم يسبق أن منيت به “إسرائيل” منذ تأسيس كتلتها السرطانية على أرض فلسطين المحتلة.
الاحتلال يخوض اليوم حرب استنزاف خاسرة في الميزان العسكري الميداني بشهادة جنرالات صهاينة، ويبدو أن 7 أكتوبر يجسد اليوم الأكثر دموية في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ما حدث في الطوفان هو ضعضعة إحساس التفوق الاستراتيجي للكيان، وسحق الفكر القومي الصهيوني الذي يقضي بأنه لا وجود لاجتياح للكيان، وأن العلاقة بتاريخ المحارق اليهودية المزعومة انقطعت، ورفعت من أرضية الوعي الجماعي الصهيوني ذاكرة الانقراض في ضوء السحق الجماعي، الخراب، واخلاء المستوطنات والاجتياح وأسر الصهاينة، عاد ليتصدر المشهد ويخبر الصهاينة أنهم في عين الخطر.
والاحتلال دائماً في حالة استنفار نحو المقاومة لحرب متعددة الساحات ضدها وضد محور الممانعة، ولذلك استعدت “إسرائيل” منذ سنوات ولاتزال، لكنها اليوم تتفاجأ بحجم القوة العسكرية التي تشربت بها ولا يمكن السيطرة عليها في اعقاب هجوم مفاجىء، وبعده نشأت المواجهة الأعنف من أي مرة بين “إسرائيل” و”حماس” و”حزب الله” والاحتكاك المباشر الأول مع إيران وصواريخها التي دكت قلب الكيان.
بعد سنة على الطوفان لا يمكن الحديث عن “شرق أوسط جديد” بالمعنى الذي تقصده وتريده “إسرائيل”، وبالرغم من أن غزة شهدت دماراً غير مسبوق، وفي لبنان يبرز التدمير الصهيوني للضاحية الجنوبية لبيروت وقرى الجنوب، ومع ذلك فإن “حماس” و”حزب الله” بقيا يحافظان على قوتهما على المستوى المدني والسياسي والعسكري.
7 أكتوبر قلب في “إسرائيل” مفاهيم كثيرة وعلى رأسها تلك التي نبعت من الجهل في قوة الآخرين، وضرب الإيمان الصهيوني بفكرة أن “حماس” مردوعة ويمكن تطويعها بواسطة “جزر اقتصادي” هذا إلى جانب فرضيات المستوى السياسي بأنه يمكن التقدم في التطبيع دون الانشغال في الموضوع الفلسطيني، ومواصلة إدارة النزاع بلا حسم، وأنه يوجد في “إسرائيل” تفوق تكنولوجي وردع تجاه محور المقاومة، وكل تلك الفرضيات سقطت في مستنقع الأوهام والفشل الصهيوني.
الحقيقة التي تؤرق الكثيرين في الكيان هو أن المسؤولين عن الهزيمة في 7 أكتوبر يواصلون تصميم الحاضر والمستقبل للكيان، ولا يجرى تحقيق جدي معهم في الفشل، و”إسرائيل” تركز على إنجازات عسكرية وهمية ونصر مطلق لن يتحقق.
“إسرائيل” لا تزال تشعر بذل من يوم 7 أكتوبر وتجسد لها الوعي الكامل بأن عدويها الأساسيين “حماس” و”حزب الله”، وهما كما يقول سياسيو الكيان محاربين بشدة لكن غير قابلين للفناء.
هؤلاء ممن يمكن أن نسميهم في الكيان أصحاب النظرة الواقعية يرون أنه مطلوب فرض تسوية في غزة وفي لبنان ينهي التهديدات ويسمح بعودة الأسرى ومستوطني الشمال، وأهمية البحث والحسم في المسألة الفلسطينية .
الكيان يشعر اليوم بتهديد وجودي، وهذا ما يقوده للحفاظ المزعوم والسعي للسيطرة على مدى الزمن كما يزعمون على بوابات فلسطين إلى (غور الأردن وفيلادلفيا)، وهذه ليست وصفة مؤكدة لاستقرار كامل، برأي الصهاينة، لكنها في ضوء البدائل الأخرى وعلى رأسها الحكم المباشر على الفلسطينيين ودولة واحدة (يلوح كأهون الشرور) هذا لسان حال الصهاينة.
ولسان حالهم أيضاً يقول إن بنيامين نتنياهو ويوآف غالنت وهرتسي هاليفي، يراهنون على مجرد وجود “إسرائيل”، فبقرار جنوني واحد من شأنهم أن يشعلوا ناراً متعددة الجبهات في كل “الشرق الأوسط”، هم لا يفكرون للحظة باليوم التالي.
ومثلما هرب الثلاثة الجبناء من مسؤوليتهم عن اليوم الأكثر سواداً في تاريخ “إسرائيل”، في 7 أكتوبر، سيهربون من مسؤوليتهم حين تنهار “إسرائيل” في حرب استنزاف متعددة الساحات، مع محور المقاومة.
الثالوث المجرم والجبان في الكيان يتخيل أنه قادرعلى القضاء على “حماس” و”حزب الله” وكبح محور المقاومة، هؤلاء الثلاثة المارقون مصابون بجنون العظمة وغير مستعدين لأن يقبلوا أي تسوية كي يحرروا أسراهم، يريدون تحقيق كل شيء بواسطة الضغط العسكري، وفي النهاية لن يحققوا شيئاً.