صندوق التنمية السوري.. بين الأمل بالتغيير ومخاوف التكرار
أثار الإعلان عن تأسيس “صندوق التنمية السوري” في الرابع من أيلول/سبتمبر الجاري، تفاعلات واسعة داخل الشارع السوري، باعتباره مرتبطاً بشكل مباشر بملف إعادة الإعمار الذي يشغل السوريين منذ نحو تسعة أشهر.
وتباينت المواقف بين من يرى في الصندوق مبادرة وطنية تستحق الدعم لكونها تعتمد على أموال السوريين أنفسهم، وبين من يتحفظ عليها متسائلاً عن آليات التنفيذ ومخاوف تكرار الوعود غير المنجزة، فيما تبقى التطلعات منصبة نحو مشاريع ملموسة تحسن الخدمات وتخفف أعباء الحياة اليومية.
دعم ذاتي بعيد عن الديون
يرى بعض السوريين أن أهمية الفكرة تكمن في كونها بعيدة عن الاستدانة من الخارج وما يرافقها من شروط سياسية واقتصادية. ويقول رجل الأعمال سمير الأشمر، الذي عايش فترتي حكم الأسد الأب والابن، إن الفكرة إيجابية شرط أن تتحول الأموال المجمعة إلى مشاريع حقيقية.
أما أمجد الجباوي فيعتبر أن الصندوق ليس سوى امتداد لمبادرات شعبية سابقة مثل “أبشري حوران” و”أربعاء حمص”، وأن الحكومة الجديدة تبنت ما أطلقه المواطنون أنفسهم وقدمت له الإطار الرسمي والدعم المؤسسي.
بدورها، ترى شكران راجح أن هذه المبادرة تذكير للمقتدرين بواجبهم تجاه بلدهم، مؤكدة أن كثيراً من السوريين يملكون الرغبة والقدرة على المساهمة، لكنهم كانوا بحاجة إلى جهة موثوقة تضمن وصول أموالهم إلى مكانها الصحيح.
مقارنات وتجارب إقليمية
الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي يشير إلى أن اللجوء للتبرعات في الحالة السورية “أمر طبيعي” في ظل ضعف الإمكانيات والفراغ في خزينة الدولة، خصوصاً مع بقاء أشهر قبل إقرار الموازنة العامة لعام 2026.
ويشبّه القضيماتي التجربة السورية بصناديق تنموية عربية، مثل “صندوق التنمية الوطني السعودي” الذي أُنشئ عام 2017 لدعم قطاعات اقتصادية مختلفة، و**”صندوق الكويت للتنمية الاقتصادية العربية”** المخصص لتقديم قروض للدول النامية. ويرجّح أن تظهر نتائج الصندوق السوري خلال فترة تمتد بين ستة أشهر وسنتين، مع إمكانية تعزيزه لاحقاً عبر الضرائب والرسوم واقتطاع جزء من الموازنة العامة.
انتظار النتائج
في المقابل، يبدي آخرون حذراً واضحاً. ويقول نضال الحسين، وهو عامل في محل عصير بدمشق، إن الشعب ملّ من “المشاريع على الورق”، مضيفاً أن الأولوية يجب أن تكون لإعادة تأهيل البنية التحتية الأساسية من كهرباء ومياه وصرف صحي في المناطق المتضررة، بعيداً عن الأبراج والمشاريع الضخمة.
ويشدد الحسين على أن هموم الناس اليومية تتعلق بتوفير فرص العمل ومكافحة البطالة والتسول وعمالة الأطفال، أكثر من حاجتهم إلى مشاريع استعراضية.
وبحسب الخطة المعلنة، خصص الصندوق مبالغ لإعادة تأهيل 400 محطة مياه، وبناء خمس محطات كهربائية كبرى بقدرة 3000 ميغاواط، إضافة إلى إصلاح 3000 مدرسة وبناء 500 أخرى جديدة، وتوظيف 20 ألف معلم. كما يتضمن المشروع بناء 20 مستشفى جديداً وترميم المرافق الصحية المتضررة، مع إعطاء الأولوية للمخيمات والمناطق التي سيعود إليها النازحون.
أرقام أولية وترويج محدود
خلال حفل الإطلاق الذي أقيم في قلعة دمشق، أعلن مدير الصندوق صفوت رسلان أن حجم التبرعات والتعهدات الخطية تجاوز 64 مليون دولار. ورغم ذلك، اعتبر البعض أن الرقم ضئيل قياساً بحجم الدمار والاحتياجات، مشيرين إلى ضعف الترويج المسبق لآلية التبرع.
التاجر محمد مولوي عبّر عن استعداده للتبرع لكنه قال إنه لم يكن يعلم أن باب المساهمة مفتوح للجميع. فيما رأى أكرم صالح الحسين أن الاكتفاء بفعالية مركزية في العاصمة لم يكن كافياً، إذ لم تصل الرسالة إلى قطاعات واسعة من السوريين.
بين الإنسان والحجر
من جهته، يرى الشيف محمود هلال أن التبرعات مهما بلغ حجمها لن تكفي لإعادة الإعمار الشامل، مطالباً بالتركيز على بناء الإنسان عبر تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتوفير فرص العمل، إلى جانب الاستثمار في التعليم والصحة.
ويتفق معه الباحث القضيماتي الذي اعتبر أن تخصيص جزء من الصندوق لدعم المشاريع الاستثمارية والشراكات الداخلية يمكن أن يدر دخلاً مستداماً للصندوق نفسه.
مخاوف التكرار ووعود الشفافية
تترافق هذه النقاشات مع تساؤلات مشروعة حول مصير الأموال التي تدفقت إلى سوريا عقب سقوط النظام، ومدى جدية الالتزام بتحقيق الوعود. ويقول رامز يوسف، وهو عامل في محل حلويات: “لا نريد أن نعيد تجارب النظام السابق نعلم أن الأمور لا تُحل بعصا سحرية، لكن من حقنا المتابعة والمساءلة”.
وفي المقابل، يشير أمجد الجباوي إلى أن الحكومة الجديدة حققت إنجازات أولية في ضبط الأوضاع الأمنية وتحسين الرواتب والخدمات، ولو بشكل محدود، معتبراً ذلك بداية يمكن البناء عليها.
اقرأ أيضاً: مؤتمر سكريبت للمؤثرين في حلب يثير جدلاً بين الترحيب وانتقادات
اقرأ أيضاً:سورية والسعودية تتفقان على إنشاء محطتي كهرباء بالطاقة المتجددة