تفاقم ظاهرة التسول في سوريا: من سلوك فردي إلى تهديد للمجتمع

في ظل حالة عدم الاستقرار التي تشهدها المجتمعات غير المستقرة، تتنامى الظواهر السلبية وتصبح جزءًا من الحياة اليومية، مما يهدد بنية المجتمع وتوازنه. ومن أبرز هذه الظواهر في سوريا، تبرز ظاهرة التسول التي تحولت من سلوك فردي إلى مشهد مألوف في المدن السورية، متأثرة بالظروف الاقتصادية والاجتماعية المتردية.

واقع التسول في سوريا

وصفت الناشطة المجتمعية وضحا العثمان، مديرة جمعية “رفقا” النسائية لموقع “الترا سوريا”، ظاهرة التسول في سوريا بأنها “مقلقة”، مشيرة إلى الارتفاع الملحوظ في أعداد المتسولين خلال السنوات الأخيرة.

وأكدت العثمان أن هذه الظاهرة لم تعد مقتصرة على الفئات الفقيرة، بل امتدت لتشمل فئات جديدة تأثرت بالنزوح والتهجير والبطالة والانهيار الاقتصادي، مما أدى إلى تفكك الروابط الاجتماعية. والأكثر إثارة للقلق هو تحولها في بعض الأحيان إلى ممارسة منظمة تديرها شبكات تستغل الفئات الضعيفة.

من جانبها، أوضحت الباحثة في علم الإعلام الاجتماعي ليلاس دخل الله أن التسول أصبح منتشرًا بشكل كبير في الشوارع، والأماكن العامة، والمساجد، والساحات، والمراكز الطبية، مع تزايد لافت في حالات التسول بين الأطفال والنساء والمسنين، مما يهدد البنية الاجتماعية والقيمية للمجتمع.

أسباب تفاقم الظاهرة

أرجعت العثمان تفاقم هذه الظاهرة إلى عدة عوامل، أهمها:

  • الظروف الاقتصادية المتردية: التي أدت إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وضعف القدرة الشرائية.
  • النزوح والتهجير: الذي فاقم من هشاشة الوضع الاقتصادي والاجتماعي للعائلات.
  • تفكك الأسر وغياب الحماية: مما أجبر الكثير من الأطفال والنساء والمسنين على التسول بعد فقدان المعيل.
  • غياب الرقابة وضعف منظومة تطبيق القوانين: مما يشجع على انتشار الظاهرة واستغلال الأطفال في التسول المنظم.
  • ضعف شبكات الأمان الاجتماعي: وقصور برامج الدعم الحكومي ومنظمات المجتمع المدني.

أضافت دخل الله عوامل أخرى، منها الأسباب التربوية والثقافية، مثل غياب التعليم بين الأطفال المتسولين، وترسيخ ثقافة الاعتماد على الآخرين بدلاً من العمل، بالإضافة إلى صمت المجتمع وضعف الرقابة من الجهات المعنية وغياب القوانين الرادعة.

تداعيات التسول

تؤكد العثمان أن التسول له انعكاسات سلبية كبيرة على الأفراد والمجتمع. فعلى صعيد الأفراد، يعاني المتسولون، وخاصة الأطفال، من مخاطر صحية ونفسية جسيمة، مثل الاستغلال الجسدي والجنسي، والانقطاع عن التعليم، وفقدان الشعور بالهوية والكرامة. وفي بعض الأحيان، يتحول التسول إلى مهنة ترسخ ثقافة الاتكالية وتحد من فرص الدمج المجتمعي.

أما على الصعيد المجتمعي، فتقول العثمان إن انتشار التسول يؤدي إلى تآكل الثقة بين الأفراد والمؤسسات، خاصة عندما يرتبط بالاحتيال والجريمة، مما يخلق شعورًا بعدم الأمان في الأماكن العامة ويشوه صورة الفضاء العام.

آليات مكافحة الظاهرة

قدمت العثمان ودخل الله عدة آليات لمواجهة هذه الظاهرة والحد منها:

دور الإعلام الاجتماعي: يلعب دورًا مركزيًا في التوعية المجتمعية والضغط على الجهات الرسمية لإيجاد حلول واقعية. يمكن توظيف وسائل التواصل الاجتماعي لإنتاج محتويات توعوية مؤثرة، والتعاون مع المؤثرين لنشر رسائل ضد التسول، بالإضافة إلى توجيه المجتمع نحو الدعم المنظم من خلال تشجيع التبرع للمؤسسات والجمعيات المرخصة.

دور المؤسسات الحكومية: ضرورة سن قوانين تجرّم التسول المنظم واستغلال الأطفال، وتفعيل دور الشرطة المجتمعية في الرصد والتدخل. كما يجب على وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل تقديم برامج دعم وإعادة تأهيل للفئات الضعيفة.

دور منظمات المجتمع المدني: يمكن للمنظمات تقديم المساعدات المباشرة مثل المأوى والغذاء، والدعم النفسي، وبرامج الحماية. بالإضافة إلى تنفيذ حملات توعية للحد من التعاطف غير المدروس، وتشجيع ثقافة التبرع المؤسسي. كما يمكنها تقديم تدريبات مهنية لتمكين المتسولين وأسرهم من إطلاق مشاريع صغيرة.

 

اقرأ أيضاً:الضائقة الاقتصادية تدفع الأطفال للعمل في شوارع حلب

اقرأ أيضاً:الرقة.. أكثر من 40 ألف طالب مهددون بالحرمان من التعليم

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.