دخلت الحرب على غزة شهرها التاسع ويظهر مسخ الهزيمة الإسرائيلية مولوداً مشوهاً من رحم هذه الحرب الوحشية وميتاً، هي حروب الاحتلال العبثية التي تنتج الخراب كونها خبط عشواء، لا هدف لها سوى استعراض القوة والتوسع على حساب دماء الأطفال والمدنيين.
رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وأركان حربه يعانون من حالة إنكار غير مسبوقة في تاريخ الكيان الصهيوني في تعاملهم مع الحرب على قطاع غزّة، ونتائجها فهم ينكرون حتى فكرة الهزيمة والفشل، مع أن الهزيمة والفشل أشد وضوحاً من عين الشمس في غز الظهيرة، فنتنياهو توهم أنه أصبح قاب قوسين أو أدنى من إسدال الستار على القضية الفلسطينية وفرض واقع جديد على المنطقة عنوانه التفوق الإسرائيلي.
نتنياهو، رجل مريض بشتى أنواع الأمراض السياسية والعسكرية، ويعيش حالة من الغرور والغطرسة، ولم يستوعب بعد حجم الخسائر التي تعرض لها جيش احتلاله على يد المقاومة في غزة، وهو أيضاً يعيش في واقع غير متزن ومتوازن بين رغباته الشخصية وأهدافه وبين قدراته وإمكاناته الحقيقية على الأرض.
الاحتلال وسط هذه الحالة من الإنكار والتخبط يدفع المزيد من الأثمان الباهظة والخسائر القاتلة، وهو عاجلاً أم آجلاً سينتهي به الحال إلى النزول عن الشجرة، والاعتراف بالهزيمة في غزة، وعلى الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة.
التخبط الإسرائيلي والهزيمة الإسرائيلية يتجليان في عدد من المظاهر، أبرزها فشل الاحتلال في تحقيق أي من أهدافه المعلنة للحرب بعد 9 أشهر على إشعالها على أرض غزة، فهناك فشل ذريع في الميدان، وفي تحرير الأسرى، وكذلك في انتزاع جذور الفلسطينيين من أرضهم وتهجيرهم، بالرغم من المجازر البشعة والرهيبة التي يرتكبها، ويحاول من خلالها فرض معادلات القوة، لكنها تفشل في ثني المقاومة وحاضنتها عن أهدافهم.
وبعد مرور 9 أشهر على الحرب ضد غزة، تقبع “إسرائيل” في جحيم لا نهاية له، ولا تزال أقدامها عالقةً عميقاً في مستنقع غزة، وتغوض كل يوم نحو القاع، وهي بين عدة نيران نيران المقاومة ونيران الفشل في التقدم ميدانياً ونيران أسراها المصفدين بيد المقاومة، فنحو 120 أسيراً إسرائيلياً لا يزالون بحوزة المقاومة في قطاع غزة، بينما أُجلي أكثر من 86 ألف مستوطن من منازلهم ولم يعودوا إليها بعد.
الآلاف من الجنود والمستوطنين قتلوا وجرحوا بنيران المقاومة، منذ عملية “طوفان الأقصى” ولم يتوقف المد القوي للمقاومين في غزة برغم التدمير الممنهج لكل مظاهر الحياة، ناهيك عن المئات الذين تم تجنيدهم في جيش الاحتلال في صفوف الاحتياط منذ بدء الحرب العدوانية على القطاع.
جيش الاحتلال منهك في غزة وهو على أتم الاستعداد والرغبة لإيقاف القتال وبلوغ وقف إطلاق النار، وهي رغبة يطالب بها المستوطنون الإسرائيليون حكومتهم لإبرام صفقة تبادل أسرى فورية مع المقاومة في قطاع غزة، من أجل إعادة الأسرى الإسرائيليين المتبقين، خصوصاً أن عدداً منهم قتل بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي، جراء قصفه العنيف والمتواصل على القطاع، لكن الحكومة الصهيونية بزعامة نتنياهو متعنته وتريد الهروب إلى الأمام علها تحقق أي إنجاز مزعوم يحميها من العقاب ويطل عمرها السياسي.
التغييرات التي أراد الاحتلال تحقيقها في المنطقة انعكست عليه سلباً، وكانت النتيجة تغييرات ليست في صالح العدو بل على النقيض من ذلك، ففي الفترة الماضية تم إجلاء ما يزيد على 100 ألف مستوطن من الشمال وحده، أغلبيتهم لا تنوي العودة إليه بعد انتهاء الحرب، يُضاف إلى هؤلاء المستوطنين الذين تمّ إجلاؤهم من مستوطنات غلاف غزة، الذين أعرب معظمهم عن عدم رغبته في العودة أيضاً، وهذا تغيير مهم في صالح المقاومة، لكنه غير مسبوق وكارثي على كيان الاحتلال.
جيش الاحتلال وباعتراف منه يعاني من أزمةً ونقص في العدة والعديد والعتاد، مع استمرار الحرب على غزة والمواجهات مع حزب الله في الشمال، ما دفع ما يسمى وزير الأمن، يوآف غالانت، إلى الطلب من حكومة نتنياهو النظر في تمديد خدمة الاحتياط والخدمة الإلزامية إلى 3 سنوات.
من جهة ثانية، فالأزمة الداخلية الإسرائيلية في حالة تصاعد، غير أن أسوأ ما فيها هو فقدان الرؤية والاتجاه لدى صانعي القرار الصهيوني في “الحكم والمعارضة” تجاه التعامل مع قطاع غزة، وليس ثمة رؤية واقعية بشأن اليوم التالي للحرب، وليس ثمة تصور يمكن فرضه لمنع حماس من البقاء في القطاع ونزع أسلحتها، ولا لتوفير الأمن المزعوم لمناطق غلاف غزة.
شهور والاحتلال يصب جام غضبه على القطاع فلا المقاومة ضعفت واستكانت، ولا الحاضنة الشعبية تخلَّت عن المقاومة بل ازدادت حولها التفافاً، وأداء المقاومة اليوم لا يقل كفاءة وفاعلية عن أدائها في اليوم الأول للحرب، وهذا ما يجعل الاحتلال الإسرائيلي يقف عاجزاً محبطاً، مع حالة غرور وغضب تدفعه للاستمرار بالمجازر، وسط حالة من التخبّط وفقدان الاتجاه، تقوده لهزيمة نكراء محققة في الميدان.