بين وعود الكهرباء ومحنة الفواتير: المواطن السوري في المنتصف

داما بوست -خاص

في شهر أيار الماضي، أعلنت الحكومة السورية عن توقيع أربع اتفاقيات استراتيجية في مجال الكهرباء مع تحالف دولي، تتضمن مشاريع ضخمة لإنتاج الطاقة بكلفة تصل إلى 7 مليارات دولار. مشاريع تبدو على الورق واعدة، وتهدف إلى بناء أربع محطات غازية بقدرة إنتاجية تصل إلى 4000 ميغاواط، إضافة إلى محطة طاقة شمسية في الجنوب باستطاعة 1000 ميغاواط. ووفق المخطط، سترتفع القدرة الكهربائية الكلية في سوريا من 1.6 غيغاواط حالياً إلى 6.6 غيغاواط خلال سنوات قليلة، مما يعني – نظرياً – نهاية التقنين وتحسّن ساعات التغذية.

إقرأ أيضا: سوريا توقّع مذكرة تفاهم تاريخية بقيمة 7 مليارات دولار مع مجموعة شركات لتطوير قطاع الطاقة

لكن على الأرض، وتحديداً في بيوت السوريين، لا تزال الكهرباء تحمل في طيّاتها قصة مختلفة تماماً. فبدلاً من أن يرى الناس أثراً ملموساً لهذه الاتفاقيات، صُدم الكثير منهم خلال شهر أيار بفواتير كهرباء خيالية، فاقت كل التوقعات. في حي الميدان بدمشق، يقول “فادي”، أحد السكان: “السكان، بنبرة فيها مزيج من الذهول والسخرية: فاتورتي جاءتني بـ 500 ألف! ما قدرت أصدق، رحت على مركز الدفع وطلبت يقسطولي المبلغ إذا طلع فعلاً صحيح… نحنا يمكن الشعب الوحيد يلي بيتمنى ما تجي الكهربا، لأنه إذا إجت، منلاقي حالنا دافعين ملايين. صرنا نخاف من النور أكتر من العتمة!”

شكاوى مماثلة وردت من مناطق أخرى في دمشق وريفها، تتحدث عن فروقات في قيمة الفواتير تصل إلى ثلاثة أضعاف أو أكثر، مما أثار قلقاً شعبياً واسعاً وتساؤلات كثيرة: لماذا هذا الارتفاع؟ وهل الاستهلاك فعلاً بهذه الضخامة؟ وماذا عن العدادات التي لا تعمل أو لا تُقرأ بانتظام؟

مدير كهرباء دمشق، المهندس لؤي ملحم، حاول التوضيح قائلاً إن السبب الرئيسي هو التعرفة الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في بداية شهر آذار. فبحسب النظام الجديد، بقيت الشرائح الأولى على حالها، لكن ما فوق 1500 كيلو واط ارتفع سعر الكيلو فيها إلى 600 ليرة، أما من تجاوز 2500 كيلو واط فبلغ السعر 1350 ليرة لكل كيلو.

ببساطة، أي زيادة في الاستهلاك بعد هذه الحدود تعني قفزة كبيرة جداً في الفاتورة، وقد تصل الزيادة إلى أكثر من ضعف، وربما ثلاثة أو أربعة أضعاف، وهذا ما حدث فعلاً مع العديد من الأسر.

ورداً على الانتقادات حول عدم وجود موظفين يقرؤون العدادات، أوضح ملحم أن هناك فرقاً ميدانية مسؤولة عن ذلك، لكن في بعض الحالات – خاصة خلال فترات التقنين الطويل – لا تُظهر العدادات قراءتها الصحيحة بسبب عدم وجود بطاريات داخلية، فيُثبَّت الرقم على “صفر”. وعندما تُظهر الفاتورة لاحقاً رقماً مرتفعاً – مثل 3000 كيلو – تتم معالجته تقنياً عبر النظام، ويتم تجزئة الاستهلاك على الشهرين السابقين لتوزيعه على شرائح أقل تكلفة.

ورغم هذا التوضيح، فإن العديد من المواطنين لا يزالون يشعرون بأنهم يعيشون في فجوة زمنية بين وعود مستقبلية بـ “نور وفير” وواقع يومي مظلم… حرفياً. فكيف يمكن الحديث عن محطات كهرباء مستقبلية تُبنى في دير الزور وزيزون بريف حماة وتريفاوي بريف حمص، فيما عائلات في دمشق وريفها، تكافح لتسديد فواتير تكاد تعادل نصف دخلها الشهري، أو أكثر؟

المفارقة موجعة: مشاريع بآلاف الميغاواط قادمة، واستثمارات دولية بالمليارات، وتصريحات رسمية تبشر بمرحلة جديدة من الاكتفاء الطاقي… في حين أن المواطن السوري لا يعرف اليوم كم سيدفع في الدورة القادمة، أو إن كانت الفاتورة ستبتلع بقية راتبه.

ربما الأمل موجود، وربما الاتفاقيات فعلاً ستحدث فرقاً بعد سنوات، لكن إلى أن يحدث ذلك، هناك حاجة عاجلة لإصلاح منظومة العدادات، ومراجعة التعرفة، وتوفير عدالة حقيقية في الفوترة، حتى لا يشعر الناس بأنهم يدفعون ثمن النور… قبل أن يروه.

 

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.