داما بوست – كلير عكاوي| لا يحتاج عابر الطريق إلا خطوات قصيرة ليبتعد عن إحدى ساحات دمشق، ويسمع دندنة من أغنية الفنان معين شريف بفم العمّة أم يوسف “اللي ماضل شي بهالدني وماوقف ضدها.. وكأنو الظلم خلقان إلها وحدها”.
وتفرّدت أم يوسف وحدها ببيع فنجان القهوة والشاي والزهورات الممزوج بالمحبة في سيارتها الصغيرة “الفولكس فاغن”، حيث تفتح “طبونها” الساعة السادسة صباحاً إلى أن تقل حركة المارّة. ويتصاعد البخار من الإبريق المملوء بالمياه المغليّة، لتسكبها بيديها المتجعدتين لتلبية طلبات الزبائن اللذين اعتادوا على وجودها.
وقالت أم يوسف بابتسامة عريضة مرسومة على وجهها المُتعب ل “داما بوست”: “أنا أعمل في هذه المهنة منذ 15 عاماً، بعد أن توفّي زوجي عام 2008، لأستطيع تأمين حياة سليمة لابني يوسف الذي كان يعاني من شلل دماغي، ولكنّه رحل بعمر الثلاثينات منذ تسع سنوات شهيداً بسبب قذائف الهاون الغدّارة”.
وكان لدى السبعينية ولداً آخر توفّي بالسرطان منذ سنوات، وباتت تعمل جاهدة من أجل البقاء وإكفاء حاجاتها الأساسية، ثم تفرش وسادتها بعد منتصف الليل التي هي أقسى من أيامها التي عاشتها والصعوبات التي واجهتها، بحسب تعبيرها. وقالت “أم يوسف”: “الحمدلله أستر نفسي من كل شيء ولا اعتاز أحدا.. كرامتي أهم شيء في الدنية.. والشغل مو عيب”.
وأكملت: “بالبداية عملت مربية في منازل الموظفين لأرعى أطفالهم، ريثما يعودون إلى المنزل، ثم عملت على هذه السيارة بتحضير السوائل الساخنة، إلى أن أصبحت صديقتي المقرّبة”. وتحدّثت السبعينية عن معاناتها، قائلة: “الأحوال المعيشية من سيء إلى اسوأ، وأسعار المواد الأساسية تتطاير، ولكن رب العالمين ما بيقطع حدا”.
واحتاجت أم يوسف إلى عملية “مي بيضا” في عينها مع تركيب عدسة، واستطاعت بعد جهد كبير تأمين المبلغ المالي لقاء ذلك وقدره مليوني ل.س ثم أجرتها في الصيف الماضي، ولكنّها مازالت تحتاج إلى اخرى بعينها الثانية، لعلّها تستطيع تأمين تكلفتها يوماً ما، بحسب وصفها. ووجّهت أم يوسف معايدة لطيفة إلى نظيراتها بعيد المرأة العالمي على طبق من محبّة، قائلة: “لا تنطري شي من حدا ولاتاخدي قوتك من غيرك اسندي حالك لأنك قد حالك.. وصدقيني ماحدا لحدا هالأيام”.
وكم من نساء مثل أم يوسف في هذه الأيام يلجأن لتأمين لقمة عيشهن بقولهنّ “مستورة”، ولا يتباين على ملامحهن سوى الحمد والشكر على كل حال، الحال الذي أثقل كاهلهن، ولم يكسرهنّ في الحصول على كسرَة خبزهن.