ما خيارات دمشق إذا انتهت مهلة اتفاق 10 آذار؟… سيناريوهات سياسية وعسكرية
تقترب المهلة المحددة لتنفيذ اتفاق 10 آذار بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) من نهايتها، وسط غياب أي تقدم ملموس في عملية دمج الهياكل العسكرية والإدارية لقسد ضمن مؤسسات الدولة، ما يضع دمشق أمام واحد من أعقد الملفات الداخلية وأكثرها تداخلاً مع الحسابات الإقليمية والدولية.
فالمنطقة الشرقية التي تسيطر عليها قسد تُعد ذات ثقل سكاني واقتصادي كبير، وغالبيتها من العرب، ما يجعل أي تعثر في الاتفاق انعكاساً مباشراً على استقرار البلاد. ومع استمرار الوجود الأميركي في مناطق قسد، والتقارب السياسي المتزايد بين دمشق وواشنطن، تتقاطع عوامل داخلية وخارجية تجعل من اللحظة الحالية نقطة تحول حقيقية في مسار العلاقة بين الطرفين.
قسد… سياسة شراء الوقت وانتظار الموقف الأميركي
منذ توقيع اتفاق 10 آذار، تظهر قسد ـ بحسب مراقبين ـ ميلاً واضحاً لسياسة كسب الوقت أكثر من التقدم الفعلي في تنفيذ بنود الاتفاق. ورغم دعوات دمشق المتكررة لعدم المماطلة، بقيت الخطوات العملية غائبة عن المشهد.
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني عبّر صراحة، في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي هاكان فيدان، عن استياء دمشق من وتيرة العمل على الاتفاق، مشيراً إلى أن “اتفاق 10 مارس لا يزال حبراً على ورق”. ودعا الشيباني قيادة قسد إلى الالتزام بتعهداتها، مؤكداً أن التباطؤ يعرقل جهود مكافحة الإرهاب ويؤثر على مصالح السوريين جميعاً.
ويرى الباحث المختص بشؤون قسد في مركز الحوار السوري، عامر العبدالله، أن قسد تراهن على الدعم الأميركي للحصول على مكاسب سياسية قبل أي عملية دمج، مثل اللامركزية الموسعة أو الإبقاء على خصوصية عسكرية داخل الجيش السوري. ويعتقد أن قسد تنتظر وضوح الموقف الأميركي الكامل قبل اتخاذ خطوات مؤثرة، وهو ما يفسر ـ برأيه ـ بطء التنفيذ رغم اقتراب انتهاء المهلة.
الخيار العسكري… سيناريو يُطرح بقوة
مع استمرار الجمود، برز الخيار العسكري كأحد السيناريوهات الأكثر تداولاً في الأوساط السياسية. التحركات العسكرية المتزايدة على خطوط التماس، والتصريحات المتشددة من بعض قيادات قسد، فتحت الباب أمام احتمالات التصعيد.
القائد في قسد سيبان حمو حذّر في تصريح لموقع “المونيتور” من أن خطر اندلاع صراع كبير لا يزال قائماً، مؤكداً أن المفاوضات تمر بمرحلة حساسة.
أما الباحث في الشأن الكردي علي تمي، فيرى أن “كل المؤشرات الحالية تشير إلى أن دمشق تتحرك باتجاه الحسم العسكري”، مشيراً إلى تراكم العوامل التي تدفع في هذا الاتجاه: مماطلة قسد، استغلالها للتوترات في الساحل والسويداء، ومحاولتها المناورة على وتر الأقليات.
وتشير دراسة للمركز العربي للدراسات السورية إلى أن الحل العسكري يُعد “الأكثر خطورة”، لكن احتمال وقوعه يزداد مع استمرار التصعيد. وتتوقع الدراسة سيناريو عملية مشتركة بين الجيش السوري وتركيا، تبدأ بضربات جوية تركية على مقار قسد، تتبعها عمليات برية متعددة المحاور. ورغم امتلاك قسد خبرة قتالية، إلا أن التفوق الجوي واللوجستي والدعم المحلي يجعل خسارتها مساحات واسعة احتمالاً قائماً.
دمشق تفضّل المسار السياسي رغم ضغوط اللحظة
رغم التصعيد، لا تزال دمشق ـ وفق عدة محللين ـ تُظهر ميلاً واضحاً نحو الحل السياسي. فالحكومة السورية تدرك أن أي مواجهة واسعة في الشرق ستفتح الباب أمام تداعيات إقليمية، وربما تؤثر على الانفتاح السياسي الأخير مع واشنطن وأنقرة.
الباحث السياسي بسام السليمان يؤكد أن “دمشق لا تبدو مستعجلة للحل العسكري”، مشيراً إلى أن الحكومة لا تريد الدخول في معارك متزامنة، خاصة بعد التوترات الأخيرة في السويداء والساحل. ويضيف: “دمشق أقرب اليوم إلى إنهاء الملف سياسياً وكسب الولايات المتحدة بالكامل إلى جانبها”.
هذا ما يتوافق مع تقدير الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، الذي يقول إن الرئيس أحمد الشرع لا يزال يعطي الأولوية للحل السياسي، حتى مع اقتراب انتهاء المهلة، مؤكداً أن “انتهاء المهلة لا يعني سقوط المسار السياسي”. ويتوقع أن تشهد الفترة المقبلة حراكاً دبلوماسياً بين دمشق وأنقرة وواشنطن لوضع آلية تنفيذ واضحة للاتفاق.
الرئيس الشرع نفسه أكد، خلال لقائه شخصيات من إدلب، أن معركة توحيد سوريا يجب ألا تكون “بالقوة العسكرية أو بالدماء”، مشدداً على رفض أي مشروع تقسيم وداعياً إلى تفاهم وطني جديد.
خيارات بديلة… ضغط محدود أو إعادة توزيع للسيطرة
مع رغبة الحكومة السورية في تجنب حرب واسعة، تبرز عدة سيناريوهات بديلة قد تتحرك دمشق وفقها في حال انتهاء المهلة دون تنفيذ:
1. تمديد المهلة بضغوط دولية
يعتبر الباحث عامر العبدالله أن استمرار الوساطة التي يقودها توم باراك يجعل تمديد الاتفاق الاحتمال الأكثر ترجيحاً، ريثما تُرتب خطوات تنفيذية واضحة.
2. ضغط عسكري محدود
قد تلجأ دمشق إلى عمليات عسكرية منخفضة الوتيرة في مناطق لا ينتشر فيها التحالف الدولي، مثل شرق حلب وشرق الرقة، لإجبار قسد على الالتزام دون الانزلاق إلى حرب واسعة.
3. إعادة انتشار قسد
هناك احتمال بأن تنسحب قسد من المناطق العربية التي تعاني من توترات محلية، مثل الرقة ودير الزور، مقابل احتفاظها بالسيطرة على الحسكة إلى حين التوصل لتفاهم نهائي.
غير أن تطبيق هذه السيناريوهات سيبقى مرتبطاً ـ كما يؤكد الباحث علي تمي ـ بموقف واشنطن. فحتى الآن، لا توجد مؤشرات قوية على ضغط أميركي حقيقي على قسد لتفكيك هياكلها العسكرية والسياسية. ويعزو تمي ذلك إلى التباينات داخل المؤسسات الأميركية، حيث لا تزال بعض الأجهزة ترى في قسد شريكاً محورياً في مكافحة داعش، ما يمنح الأخيرة هامشاً إضافياً للمناورة.
مرحلة حرجة وسيناريوهات مفتوحة
مع اقتراب موعد انتهاء المهلة، يبدو المشهد السوري أمام مفترق طرق حقيقي: فإما اتفاق مُحدّث بآلية واضحة وجدول زمني ملزم، أو دخول العلاقة بين دمشق وقسد مرحلة تصعيد قد تكون الأشد منذ سقوط النظام.
وبين حلول سياسية معلّقة، وخيارات عسكرية ذات كلفة عالية، تبقى الأيام المقبلة حاسمة في تحديد ملامح المرحلة التالية في شرق سورية، ومسار العلاقة الأكثر تعقيداً بين الحكومة السورية وقسد منذ تأسيس الأخيرة.