التوغلات الإسرائيلية في الجنوب السوري: فرض أمر واقع جديد
تشهد المحافظات الجنوبية في سوريا تصعيداً إسرائيلياً متزايداً منذ مطلع العام الجاري، تمثل في توغلات شبه يومية داخل الأراضي السورية، واعتقال مدنيين، وتجريف أراضٍ زراعية، إلى جانب إقامة بوابات حديدية تفصل القرى عن محيطها، في خطوة وصفها مراقبون بأنها محاولة لفرض واقع ميداني جديد.
ففي الأيام الأخيرة، توغلت أربع آليات عسكرية للاحتلال الاسرائيلي في قرية رويحينة بريف القنيطرة الجنوبي، حيث أقامت حاجزاً مؤقتاً وسط القرية قبل أن تنسحب، فيما منعت قوة أخرى يوم الأربعاء عمال المقالع في ريف القنيطرة الشرقي من الوصول إلى مواقع عملهم. وتشهد المنطقة منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي انتهاكات متكررة للسيادة السورية، باتت مشهداً مألوفاً للسكان المحليين الذين يعانون من التضييق المستمر عبر منعهم من دخول أراضيهم القريبة من الشريط الحدودي وسرقة مواشيهم وتخريب الممتلكات الزراعية.
بوابات لعزل القرى وتقييد الحركة
من أبرز مظاهر التصعيد الإسرائيلي في الأسابيع الأخيرة، إقامة بوابات حديدية على الطرق الواصلة بين القرى في ريف القنيطرة، أبرزها على طريق الحميدية – الصمدانية الغربية، وبوابة أخرى قرب قرية الرواضي، ما اعتبره ناشطون محليون “خطوة تصعيدية تهدف إلى عزل القرى عن بعضها وزيادة الضغط على الأهالي لدفعهم إلى النزوح”.
وتزامنت هذه التحركات مع توغلات أخرى في ريف درعا الغربي المتاخم للقنيطرة، حيث دخلت قوة إسرائيلية مؤلفة من ثلاث آليات إلى قرية معرية في منطقة حوض اليرموك، في استمرار لنمط متكرر من العمليات الميدانية داخل العمق السوري.
تجهيز لمسرح عمليات قتالية
المحلل العسكري العميد عبد الله الأسعد يرى أن ما يجري في الجنوب السوري لا يقتصر على “توغلات ميدانية محدودة”، بل يندرج في سياق إعداد “إسرائيل” لمسرح عمليات قتالية قادمة.
وقال الأسعد في تصريح صحفي إن “الجيش الإسرائيلي يعمل على تقسيم المناطق وتحديد القطاعات وفتح طرق إمداد وإقامة نقاط استناد جديدة”، مضيفاً أن “تقييد حرية المدنيين وإرهابهم يشكل مقدمة لتهجيرهم من مناطقهم وإخلاء المناطق الحدودية تمهيداً لاستخدامها لأغراض عسكرية”.
ويشير الأسعد إلى أن التمادي الإسرائيلي في انتهاك السيادة السورية يعكس رغبة تل أبيب في فرض اتفاق أمني جديد بديلاً عن اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974، التي انهارت عملياً بعد سقوط النظام السابق. ووفق تقديرات ميدانية، فإن إسرائيل تسعى لترتيبات أمنية مختلفة عن تلك التي كانت سائدة قبل الثامن من ديسمبر، إذ أقامت بالفعل قواعد ونقاطاً عسكرية جديدة في ريف القنيطرة الجنوبي، ولا سيما على قمة جبل الشيخ الاستراتيجية، التي أعلنت حكومة الاحتلال أنها لن تنسحب منها “حتى في حال التوصل إلى اتفاق جديد مع دمشق”.
ضغوط متزايدة على الحكومة السورية
وبحسب العميد أسعد الزعبي، فإن الهدف من هذا التصعيد هو “الضغط على الحكومة السورية الجديدة لدفعها إلى تقديم تنازلات سياسية وأمنية، بناءً على مطالب الإدارة الأميركية”.
وقال الزعبي إن “الاحتلال يوجه رسائل واضحة مفادها أن الجنوب السوري أصبح تحت سيطرته المباشرة، وأن أي ترتيبات قادمة لا يمكن أن تتجاوز مصالحه الأمنية”، مشيراً إلى أن هذه التحركات تمثل أيضاً إشارة ردع موجهة إلى لبنان ودول الجوار بأن إسرائيل باتت صاحبة اليد العليا في المنطقة الحدودية.
مفاوضات وتعقيدات
وكان الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع قد كشف في وقت سابق أن الجيش الإسرائيلي نفذ أكثر من ألف غارة جوية ونحو 400 عملية توغل بري منذ سقوط النظام السابق. كما أشار إلى أن بلاده خاضت عدة جولات تفاوض مع الجانب الإسرائيلي في باكو وباريس ولندن بوساطة المبعوث الأميركي توم براك، لكنها لم تُفض إلى اتفاق نهائي.
ومن المتوقع أن يعود هذا الملف إلى الواجهة خلال زيارة الرئيس الشرع المرتقبة إلى واشنطن الأسبوع المقبل، حيث سيجتمع مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وتشير التقديرات إلى أن واشنطن ستحاول الدفع باتجاه اتفاق أمني جديد بين الجانبين السوري والإسرائيلي يهدف إلى تهدئة الأوضاع في الجنوب، ويمهد لاحقاً لمناقشة قضايا أوسع مثل وضع الجولان السوري المحتل ومستقبل العلاقات بين دمشق و”تل أبيب”.
توغلات واعتقالات متكررة
بالتوازي مع التوغلات العسكرية، تواصل قوات الاحتلال تنفيذ عمليات اعتقال داخل الأراضي السورية. ووفق مؤسسة “جولان” الإعلامية، تم اختطاف 39 سورياً منذ بداية هذه العمليات، بينهم قُصَّر، بحسب مدير التحرير في المؤسسة فادي الأصمعي، الذي أكد أن “جميع الحالات موثقة بالاسم والتاريخ”.
وأوضح الأصمعي أن المعتقلين يُنقلون عادة إلى داخل هضبة الجولان المحتلة للتحقيق، قبل أن يُطلق سراح بعضهم بعد أيام، بينما لا يزال آخرون مجهولي المصير.
اقرأ أيضاً:قوات الاحتلال الإسرائيلي تنصب بوابة حديدية ثابتة بريف القنيطرة