الحزب الإسلامي التركستاني في سوريا.. عقدة أمنية بين دمشق وبكين
في مشهد معقد يعكس تداخل الملفات الإقليمية والدولية في سوريا، عاد اسم “الحزب الإسلامي التركستاني” (TIP) المعروف أيضاً بـ”حركة تركستان الشرقية الإسلامية”، إلى واجهة الأحداث، بعد أن أثارت مشاركته في البنية العسكرية الجديدة للدولة السورية الجديدة جدلاً واسعاً، خاصة لدى الصين التي تعتبره تهديداً مباشراً لأمنها القومي.
جذور الحزب ودوره في الصراع السوري:
تأسس الحزب الإسلامي التركستاني في تسعينيات القرن الماضي، ويضم مقاتلين من أقلية الإيغور المسلمة في إقليم شينجيانغ الصيني.
ومنذ عام 2013، شارك مقاتلو الحزب بفاعلية في معارك شمال غرب سوريا، خصوصاً في إدلب وجسر الشغور، إلى جانب “جبهة النصرة” (سابقاً)، قبل أن يندمج كثير منهم لاحقاً ضمن الجيش السوري الجديد بعد سقوط نظام بشار الأسد في نهاية عام 2024.
يُقدر عدد مقاتلي الحزب وعائلاتهم في سوريا بنحو 15 ألفاً، من بينهم 3,500 مقاتل تم دمجهم في الفرقة 84 للجيش السوري الوليد، وفق تقارير ميدانية.
التحولات بعد سقوط النظام السوري:
في كانون الأول/ ديسمبر 2024، أعلن “الحزب الإسلامي التركستاني” حلّ نفسه رسميًا واندماجه ضمن وزارة الدفاع السورية الجديدة، في خطوة فُسّرت حينها على أنها محاولة من دمشق لتوحيد الفصائل المسلحة تحت راية الدولة.
غير أن تقارير دولية، بينها ما نشره “برنامج مكافحة التطرف”، أشارت إلى أن الحزب أعاد تنظيم نفسه لاحقاً بهيكل داخلي خاص، مع الاحتفاظ بولاء فكري وعسكري منفصل، ما أثار قلقاً دولياً واسعاً، لا سيما لدى بكين.
موقف الصين: تهديد يتجاوز الحدود:
تعتبر الصين وجود مقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني في سوريا تهديدًا استراتيجيًا لأمنها القومي، وترى في إدماجهم ضمن الجيش السوري خطوة “استفزازية” قد تبرر استمرار سياساتها الأمنية الصارمة في شينجيانغ.
ويرى باحثون أن هذا الملف يشكل اختبارًا دقيقًا للعلاقات السورية-الصينية، إذ تربط بكين أي دعم اقتصادي أو اعتراف سياسي بدمشق بمدى التزام الأخيرة بمكافحة التنظيمات المصنفة إرهابية.
الباحث في الجماعات المسلحة رائد الحامد أكد أن بكين تعتبر الحزب امتداداً لحركة انفصالية داخل أراضيها، مضيفاً أن “القضاء عليه يمثل أولوية وطنية قصوى في الاستراتيجية الصينية للأمن القومي”.
دبلوماسية دقيقة: تحييد الفيتو الصيني
تشير تقارير دبلوماسية إلى تحضيرات لزيارة مرتقبة للرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع إلى بكين بهدف فتح قنوات تواصل مباشرة لطمأنة القيادة الصينية.
من جهتها، نشرت مؤسسة تشاتام هاوس البحثية تحليلاً يفيد بأن الصين “لا تزال مترددة في الاعتراف الكامل بالحكومة السورية الجديدة بسبب الوجود البارز للمقاتلين الأجانب، وعلى رأسهم الإيغور، في المؤسسات العسكرية”.
واشنطن تراقب… وموسكو تتريث:
في المقابل، ترى الولايات المتحدة أن دمج مقاتلي الحزب في الجيش السوري خطوة “براغماتية” تسهم في منع تكرار سيناريو الفوضى، لكنها تراقب عن كثب مدى التزام دمشق بمنع تصدير أي نشاط إرهابي إلى الخارج.
أما موسكو والخليج، فقد أبديا انفتاحاً على الحكومة السورية الانتقالية، مع ربط أي دعم اقتصادي باستقرار أمني فعلي على الأرض.
سيناريوهات محتملة لمستقبل الحزب:
التحييد الدبلوماسي المشروط: عبر تقديم الحزب كقوة محلية منضبطة تخضع لإشراف وزارة الدفاع، مقابل ضمانات لبكين بعدم تصدير الجهاد خارج سوريا.
التفكيك التدريجي: نتيجة ضغوط دولية، قد يتم دمج عناصر الحزب تدريجياً ضمن الجيش السوري الجديد تحت رقابة أممية.
الانكفاء الجهادي: في حال فشل المساعي الدبلوماسية، قد يعيد الحزب تموضعه في مناطق حدودية أو ينتقل إلى آسيا الوسطى لاستهداف المصالح الصينية ضمن مبادرة “الحزام والطريق”.
اختبار السيادة والشرعية:
يرى مراقبون أن ملف “الحزب الإسلامي التركستاني” يمثل اختبارًا حقيقيًا لسيادة الدولة السورية الجديدة، وقدرتها على الموازنة بين متطلبات الأمن الدولي وحاجات الاستقرار الداخلي.
ففي حين تسعى دمشق إلى استمالة بكين عبر التعاون الاستخباراتي، تلتزم الصين بسياسة “الزقاق الضيق” — أي البقاء على اتصال محدود دون التزامات مالية أو سياسية كبيرة — ما يعكس حذرها العميق من الانخراط في المشهد السوري.
وجود “الحزب الإسلامي التركستاني” في سوريا لم يعد مجرد ملف أمني، بل تحوّل إلى ورقة ضغط سياسية في لعبة النفوذ بين واشنطن وبكين.
نجاح دمشق في احتواء هذا الملف سيحدد شكل علاقاتها المستقبلية مع القوى الكبرى، وقدرتها على نيل الشرعية الدولية المطلوبة لتثبيت مؤسسات الدولة الجديدة.
مجلس الأمن يرفع العقوبات عن “أحمد الشرع ووزير داخليته” والصين تمتنع عن التصويت
اعتمد مجلس الأمن الدولي، مساء أمس الخميس، قراراً أميركياً بشطب اسم الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب من قوائم عقوبات الأمم المتحدة.
حظي القرار بتأييد 14 عضواً من أصل 15، بينما امتنعت الصين عن التصويت دون استخدام حق النقض (الفيتو).
إقرأ أيضاً: الأجانب أمام خطر التصفية.. ضغوط دولية ودمشق تطلب التمهل في التنفيذ
إقرأ أيضاً: من باريس إلى إدلب… فرقة الغرباء وعمر أومسين