البنك الدولي: غياب الاستقرار الأمني يعيق تعافي الاقتصاد السوري
قال البنك الدولي في أحدث تقاريره الصادرة اليوم الثلاثاء، 7 تشرين الأول/أكتوبر 2025، إن الاقتصاد السوري ما زال يواجه تحديات عميقة تعيق تعافيه، في ظل حالة من عدم اليقين السياسي والأمني، رغم تسجيل مؤشرات طفيفة على التحسن خلال العام الحالي.
وذكر التقرير أن الاقتصاد السوري قد يشهد نموًا بنسبة 1% خلال عام 2025، بعد انكماش قُدّر بنحو 1.5% في عام 2024، معتبرًا ذلك أول تحسن طفيف منذ عام 2022. وربط البنك هذا النمو المشروط بتحسن البيئة الأمنية واستقرار المؤسسات وتخفيف العقوبات الدولية، إلى جانب زيادة المشاركة الاقتصادية الدولية.
تحديات متراكمة بعد عقد من الصراع
وأشار التقرير إلى أن الحكومة الانتقالية، التي تولت السلطة في كانون الأول/ديسمبر 2024، تواجه مهمة معقدة لإعادة بناء الثقة بالاقتصاد السوري بعد أكثر من عقد من الحرب والانهيار المؤسسي.
فقد انكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 53% بين عامي 2010 و2022، ما دفع البنك لتصنيف سوريا ضمن فئة الدول منخفضة الدخل منذ عام 2018، مع احتمال أن تكون معدلات الانكماش الفعلية أعمق من التقديرات الرسمية.
تراجع القطاعات الإنتاجية وصعود اقتصاد الحرب
أوضح التقرير أن الصراع المسلح والعقوبات الدولية غيّرا جذريًا من بنية الاقتصاد السوري، إذ شهدت قطاعات السياحة والطاقة والصناعة التحويلية تراجعًا حادًا، مقابل بروز اقتصاد موازٍ قائم على تجارة الكبتاغون خلال فترة النظام السابق، كمصدر رئيسي للدخل في ما سُمّي بـ“اقتصاد الحرب”.
كما فقدت سوريا موقعها كمصدر إقليمي للنفط، لتتحول إلى دولة تعتمد على الاستيراد في مجال الطاقة والمواد الغذائية، في وقت تخضع فيه معظم الحقول النفطية لسيطرة قوى غير حكومية.
الحكومة الانتقالية تسيطر على 9% من النفط
وبحسب البنك الدولي، فإن العملية العسكرية التي قادتها قوات المعارضة تحت مظلة “هيئة تحرير الشام” السابقة في كانون الأول/ديسمبر 2024، والتي أدت إلى سقوط النظام السوري السابق، نقلت السيطرة على نحو 78% من السكان و60% من النشاط الاقتصادي إلى الحكومة الانتقالية.
ومع ذلك، لا تزال الأخيرة تتحكم بـ9% فقط من إنتاج النفط، بينما تظل الحقول الأساسية تحت إدارة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهو ما يحدّ من قدرتها على تمويل الإنفاق العام أو دعم سعر العملة المحلية.
تحسن الليرة لا يعني التعافي
أشار التقرير إلى أن الليرة السورية استعادت نحو 29% من قيمتها بين تشرين الثاني/نوفمبر 2024 وآب/أغسطس 2025، مدفوعة بعودة المغتربين وتخفيف جزئي للعقوبات، لكن أزمة السيولة ما زالت مستمرة، مع استمرار القيود على السحب والتحويلات الإلكترونية وتأخر صرف رواتب العاملين في القطاع العام.
ورغم استقرار أسعار المواد الغذائية بل وانخفاضها سنويًا بفضل ارتفاع قيمة الليرة وإزالة العديد من نقاط التفتيش العسكرية، فإن عجز الموازنة لا يزال مرتفعًا عند حدود 6% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين يبلغ الدين العام الخارجي نحو 104%، ما يقيّد قدرة الحكومة على تمويل مشاريع إعادة الإعمار.
مساعدات متزايدة ولكن غير كافية
ووفقًا للبنك الدولي، ارتفع التمويل الإنساني المخصص لسوريا بنسبة 70% في النصف الأول من عام 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، مدفوعًا جزئيًا بالدعم التركي، إلا أن إجمالي المساعدات لا يزال أقل بنحو الثلث مما كان عليه عام 2023.
مؤشرات ديموغرافية مشجعة
ورصد التقرير عودة نحو 780 ألف لاجئ (أي ما يعادل 12% من إجمالي اللاجئين في الخارج) و1.7 مليون نازح داخلي إلى مناطقهم منذ سقوط النظام حتى منتصف آب/أغسطس 2025. واعتبر البنك أن هذه العودة، رغم أعبائها على المدى القصير، قد تسهم في تحفيز النمو الاقتصادي على المدى المتوسط من خلال زيادة الطلب المحلي وتوسيع سوق العمل.
منحة لإصلاح الكهرباء
وفي سياق متصل، أشار التقرير إلى أن البنك الدولي كان قد وافق في 25 حزيران/يونيو الماضي على منحة بقيمة 146 مليون دولار لمساعدة سوريا في استعادة الكهرباء بشكل موثوق ودعم جهود التعافي الاقتصادي.
ويأتي ذلك ضمن “مشروع طوارئ كهرباء سوريا” (SEEP)، الذي يهدف إلى إعادة تأهيل خطوط النقل ومحطات التحويل المتضررة، إضافة إلى تقديم المساعدة الفنية وبناء قدرات مؤسسات قطاع الطاقة.
وقال مدير قسم الشرق الأوسط في البنك الدولي، جان كريستوف كاريت، إن إصلاح قطاع الكهرباء يمثل “استثمارًا حيويًا” لتحسين ظروف المعيشة ودعم عودة اللاجئين واستئناف الخدمات الأساسية مثل المياه والرعاية الصحية، مشيرًا إلى أن المشروع يشكّل الخطوة الأولى نحو زيادة دعم البنك الدولي لسوريا في مرحلة التعافي والتنمية.
اقرأ أيضاً:سورية والسعودية تتفقان على إنشاء محطتي كهرباء بالطاقة المتجددة
حساباتنا: فيسبوك تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام