الدبلوماسية السورية بين الإصلاح وتبديل الوجوه

بدأت وزارة الخارجية السورية سلسلة خطوات جديدة لإعادة هيكلة البعثات الدبلوماسية في الخارج، في خطوة يصفها مراقبون بأنها بداية لمسار طويل من الإصلاح، فيما يعتبرها آخرون مجرد تبديل في الأسماء دون تغيير حقيقي في النهج.

استدعاءات متتالية

وجاء آخر القرارات على يد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، الذي أمر بعودة عدد من دبلوماسيي النظام السابق إلى البلاد. هذه الخطوة ربطها محللون بمسار أوسع لإعادة تأسيس الدبلوماسية السورية كأداة سيادية مستقلة.
ويقول المحلل السياسي درويش خليفة، إن “ما يجري لا يتعلق بمجرد نقل أو تبديل أشخاص، بل هو جزء من إعادة تأسيس جهاز الخارجية ليعكس مصالح السوريين، ويعيد ربط البلاد بالعالم، ويستعيد الثقة المفقودة منذ عقود”.

وأشار خليفة في حديثه إلى أن هذا المسار بدأ منذ نيسان/أبريل الماضي، عبر استدعاء سفراء سوريا في روسيا والسعودية، بشار الجعفري وأيمن سوسان، قبل أن يشمل دبلوماسيين في الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا، إضافة إلى المندوب الدائم في الأمم المتحدة.
ويؤكد أن اختيار هذه الدول تحديداً ليس عشوائياً، لارتباطها الوثيق بالملف السوري والجهود الدولية لإيجاد حلول للأزمة، فضلاً عن أن بعضها رفض استمرار سفراء سابقين على أراضيه، فيما لا تزال أموال بعض السفارات مجمدة في عواصم أخرى.

غياب آليات واضحة

لكن هذه القراءة لا تجد صداها لدى جميع المراقبين. إذ يعتبر الدبلوماسي السوري السابق بسام بربندي أن القرارات الأخيرة “لا تحمل دلالات واضحة”، لغياب آليات شفافة للتعيين أو التوظيف عبر مسابقات كما كان معتاداً.
ويرى بربندي أن التغييرات الأخيرة جاءت نتيجة مباشرة لزيارة الرئيس أحمد الشرع إلى نيويورك، إضافة إلى تزايد الشكاوى من أوضاع بعض السفارات، لا سيما في لبنان.
ويضيف أن “أكثر من 500 دبلوماسي محسوبين على النظام السابق ما زالوا على رأس عملهم ويعملون ضد مصالح سوريا الجديدة”، منتقداً استمرار الوزارة في دفع رواتبهم مقابل رفضها إعادة 25 دبلوماسياً منشقاً.

استجابة لضغوط الجاليات

في المقابل، يرى الكاتب والمحلل السياسي فراس علاوي أن الخطوة تمثل استجابة لمطالب الجاليات السورية، خصوصاً في دول مثل ألمانيا والسعودية وتركيا، حيث تدهورت أوضاع السفارات بشكل لافت.
ويشير إلى أن عملية الهيكلة تأخرت لحين تأهيل دفعات جديدة من الدبلوماسيين عبر المعهد الدبلوماسي التابع للوزارة، مرجحاً أن تشمل إعادة جميع الدبلوماسيين الذين عيّنهم النظام السابق ضمن خارطة طريق متدرجة تنتهي بهيكلة شاملة.

أمراض متراكمة

أما الدبلوماسي السوري السابق تحسين الفقير، فيتوقف عند ما يعتبره “أمراضاً بنيوية” رافقت الدبلوماسية السورية لعقود، مثل غياب المهنية وتغليب الولاءات الضيقة على الكفاءات، إضافة إلى ارتهان القرار الخارجي للأجهزة الأمنية.
ويحذّر الفقير من الاكتفاء بتبديل الأسماء، مؤكداً أن المطلوب هو “إصلاح عميق وشجاع يعيد الثقة بجهاز الخارجية ويجعله مرآة لمصالح السوريين، لا مجرد أداة للمحسوبيات كما كان سابقاً”.

بين الرمزية والواقع

وبينما تُقرأ القرارات الأخيرة كخطوات أولية لإعادة هيكلة السلك الدبلوماسي تمهيداً لعودة سوريا إلى محيطها العربي والدولي، يرى مراقبون أن الطريق لا يزال طويلاً. فإصلاح السياسة الخارجية يحتاج إلى تغييرات جذرية في البنية وآليات العمل، وليس فقط استبدال وجوه بوجوه أخرى.

اقرأ أيضاً:أنس جودة: لقاء الشيباني بوفد إسرائيلي يعكس أزمة داخلية في سوريا

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.