اختلفت الرؤى حول مخرجات اجتماع محادثات جدة للسلام في أوكرانيا، بين وصفه بالخطوة البناءة للوصول إلى حل ينهي الحرب في أوكرانيا، وبين كونه لم يخرج بآلية عمل واضحة تضفي أملاً في هذا الملف العالق منذ سنة ونيف.
وانتهى الاجتماع بنتائج معلنة حول ضرورة بناء أرضية مشتركة للسلام من أجل إنهاء الحرب في أوكرانيا، واكتفى البيان الختامي بأنه تم الاتفاق على استمرار التشاور بشأن الأزمة، والتأكيد على ضرورة الاستفادة من الآراء المقترحة.
ورغم غياب الجانب الروسي عن هذا الاجتماع، إلا أن الأنظار اتجهت للدول الحليفة لروسيا والتي شاركت في اجتماع جدة، وأهمها دول البريكس ومن بينها الصين، كدور فعال قد تسهم فيه “بكين” الحليفة المباشرة لموسكو والتي رفضت منذ انطلاق العملية العسكرية الخاصة في دونباس إدانة موسكو.
مشاركة الصين في اجتماع جدة:
وأثارت مشاركة بكين استغراباً كونها رفضت قبل فترة الحضور في قمة الدنمارك التي عقدت لذات الأهداف، لكن وزارة الخارجية الصينية أكدت أن الممثل الصيني الخاص للشؤون الأوراسية “لي هوى” قد تبادل بشكل مكثف وجهات النظر مع المشاركين باجتماع جدة، وأن بكين ستواصل تعزيز الحوار مع جميع الأطراف من أجل الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة الأوكرانية.
وأشارت الخارجية الصينية إلى أن المشاركين في الاجتماع قيموا بشكل إيجابي مشاركة “لي هوى” في الاجتماع، وكذلك دور الصين في تعزيز محادثات السلام.
ولم تكن الصين وحدها التي أشادت بأهمية نتائج الاجتماع وما تم خلاله من بحث، بل عبرت دول عدة عن نجاحه، بيد أن الأمر لم يتوقف على الدول الحليفة لموسكو لإحلال السلام، بل إن أكثر الدول التي دعمت أوكرانيا عسكرياً خلال الحرب ولا زالت، كانت أول المصفقين لنتائج الاجتماع، في إشارة لإدراك هذه الدول بانعدام إمكانية التوصل لحل طالما أن الحل العسكري هو القائم.
وقال المتحدث باسم الحكومة الألمانية “إن برلين ترى أن الاجتماع الذي استضافته جدة لمناقشة خطة سلام لأوكرانيا كان ناجحاً، لأنه أظهر رغبة المجتمع الدولي في العمل لإنهاء الحرب” مضيفاً أن بلاده ستواصل الانخراط بنشاط في هذه العملية.
دور الصين:
ويؤكد على ذلك الخبير في الشؤون الصينية العربية “تزو شوان” في حديث لـ “داما بوست” ذكر فيه أن هذه المحادثات لا تقتصر على الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية، بل تشمل الصين والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا وبعض الدول النامية الناشئة، مضيفاً.. “ذلك يظهر أن الأطراف المعنية للأزمة الأوكرانية تدرك أهمية دور الدول النامية لإيجاد حل للأزمة الأوكرانية”.
ويرى “شوان” أن الوقت قد حان لإنهاء الصراع الروسي الأوكراني قائلاً.. “نعرف أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا قد استمرت عاما ونصفا، فالمجتمع الدولي يدرك أن الحل العسكري لم يؤدِ إلى السلام، بل يؤدي إلى الخسائر الإنسانية في روسيا وأوكرانيا”.
ويعتقد الباحث الصيني، أن توحيد المواقف الذي تحدثت عنه بكين يتمثل في إدراك أهمية الحل السياسي لإنهاء الأزمة الأوكرانية، مشيراً إلى أنه على الرغم من أن المواقف مختلفة في مجالات كثيرة، إلا أن السعي وراء السلام أصبح تياراً رئيساً بالنسبة إلى الأطراف المعنية.
وأشار إلى أن غياب روسيا عن هذا الاجتماع يصعب من مهمة إيجاد حل نهائي حقيقي، ويحمّل ذلك أسبابَ عدم إعلان نتائج الاجتماع، قائلاً.. “من الأفضل أن نراقب تداعيات الاجتماع بشكل دقيق، ولا نستطيع بعد أن نرى تفاصيل الاجتماع بشكل وثيق، ويبدو أن هناك خلافات كثيرة ما زالت موجودة بين الدول المشاركة”.
وحول ما إن كانت الصين ستلعب دوراً وسيطاً بين الطرفين المتنازعين، أكد “شوان” لـ “داما بوست” أنه رغم أن بكين لم تتورط في الأزمة الأوكرانية مثل الدول الغربية، إلا أنها تلعب دورا إيجابيا في حل هذه الأزمة، وأضاف.. “الموقف الصيني تجاه الأزمة الأوكرانية مستمر ودائم، وتبذل أقصى الجهود لتحقيق الحل السياسي واستئناف محادثات”.
وربط الخبير إدراك العالم بأهمية دور الصين بالوساطات بنجاحها في الوساطة بين السعودية وإيران في مارس/ آذار هذا العام، مؤكداً أن ذلك يجعل العالم يدرك أهمية دور الصين، ويقدم نموذجا لحل الأزمة الأوكرانية.. “أعتقد أن الصين ستستمر في بذل الجهود للتوصل لحل السياسي للأزمة الأوكرانية، لأن الحل العسكري لم ولن ينجح، فالعالم يحتاج إلى حكمة الصين لتحقيق هذا الهدف” حسب قوله.
وكانت قد تولّت السعودية دوراً في محاولات إيجاد حل للنزاع في أوكرانيا، تجلى مؤخراً بالاجتماع الذي عقد بمدينة جدة في 5و6 أغسطس/ آب، بمشاركة أكثر من 40 دولة من بينها دول بريكس، بمعزل عن حضور الجانب الروسي للاجتماع.