دمشق الجديدة و”قسد”: هل هو دمجٌ فعلي أم “ترويض محسوب”؟
منذ تشكّل الحكومة الانتقالية الجديدة في دمشق وبدء مرحلة إعادة بناء الدولة والجيش، برز ملف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) كأكثر الملفات تعقيدًا وحساسية.
فهل تسعى دمشق فعلاً إلى “وحدة الجيش” ودمج قسد بالكامل، أم أن هناك هدفًا استراتيجيًا أعمق يتمثل في “الترويض”؟
1- الخطاب الرسمي مقابل الهدف المضمر
على المستوى العلني، خطاب دمشق واضح ولا لبس فيه:
- “وحدة الجيش السوري”
- “لا سلاح خارج الدولة”
- “لا فدرلة ولا كيانات منفصلة”
لكن الوقائع والتحليلات تشير إلى أن دمشق ترى في قسد قوة ضرورية (قوة قتالية جاهزة، قاعدة اجتماعية، أوراق شرعية دولية) .
لكنها في الوقت نفسه قوة خطيرة إن بقيت مستقلة بسبب ارتباطاتها الأمريكية ونزعتها لتثبيت مكتسبات الحرب.
لذلك، الهدف ليس تفكيك قسد، بل إخضاعها إلى هندسة سيادية تدريجية.
2- كيف تترجم دمشق سياستها عملياً؟
وفقاً لآخر المعطيات الميدانية، يتم ترجمة هذه السياسة عبر مراحل محددة:
أ- دمجٌ على مراحل لـ “حجم آمن”
الخطة تتجنب الذوبان الكامل والاستقلال الذاتي معًا، وتركز على إبقاء قسد ضمن “حجم آمن” يناسب المهام الداخلية فقط. وتتم عملية الدمج عبر خمس مراحل:
1- الدمج الإداري والشكلي.
2- توحيد الرواتب
3- توحيد القيادة
4- إعادة توزيع الوحدات على المحافظات لكسر مركزيتها
5- تفكيك البنية الأمنية الموازية (الأسايش).
ب- إعادة إنتاج النخب العسكرية
تعمل دمشق على إضعاف القيادات العقائدية وتعزيز القيادات البراغماتية. هذا الهدف يتمثل في خلق شبكة ضباط مرتبطة بالقرار في العاصمة، وليس بالقرار في الميدان الكردي.
3- المؤشرات التي تحدد الاتجاهات:
هناك مؤشرات لا تظهر في العلن، لكنها تؤكد طبيعة مشروع “الترويض”:
إعادة توزيع الضباط: نقل قيادات قسد إلى مناطق غير كردية لكسر مركزية القرار.
توسيع نفوذ الضباط العرب: استخدام الضباط العرب كموازن هيكلي داخل القوات الجديدة.
الضغط على الأسايش: عبر خفض الميزانيات وتغيير الصلاحيات وإدخال جهاز أمن دولة جديد.
منع الحصانة السياسية: أي مشروع سياسي مستقل لقسد يتم تجميده
4- شبكة الفاعلين الإقليميين والدوليين
ردود الفعل المتوقعة من القوى المؤثرة تؤكد صعوبة الدمج الكامل لصالح الترويض:
| الفاعل | موقفه من دمج/ترويض قسد |
| واشنطن | تضغط لمنع تفكيك قسد، وتفرض “ضمانات” لمنع ذوبانها الكامل. |
| تركيا | تقبل بالدمج فقط تحت المراقبة الأمنية وتفكيك القيادة القديمة، وقد تعرقل إذا احتفظت قسد بهيكل قوي. |
| الجناح الأوجلاني في قسد | أكبر المتضررين ومن المتوقع أن يقاوم، وقد يتحول إلى مصدر اضطراب داخلي. |
الخلاصة: ترويضٌ مغلف بدمج
إن ما يجري هو ترويضٌ مغلف بدمج. حيث أن دمشق تهدف إلى الاستفادة من قوة قسد ، وفي نفس الوقت منع استقلالها ، وتفكيك قيادتها العقائدية ، ووضع مفاتيحها الأمنية في العاصمة.
أي إنها عملية امتصاص تدريجي ، تدخل فيها قسد كقوة يجري إعادة تشكيلها لتصبح جزءًا من الجيش السوري الجديد. الدمج هو السطح.
أما العمق فهو مشروع ترويض طويل المدى قد يستغرق 3 إلى 5 سنوات ، تتم إدارته بحذر من دمشق، ومراقبته من أنقرة، وتضمنه واشنطن
إقرأ أيضاً: بدران جيا كرد: قسد ستنضم للجيش السوري ككيان واحد ودعم دولي يتجه نحو حل لا مركزي في سوريا
إقرأ أيضاً: مظلوم عبدي: استكمال اتفاق 10 آذار مرهون بحسم الملفات الدستورية وحقوق المكوّنات السورية