الاستثمار في سوريا: بين الحاجة لإعادة الإعمار وفرص دعم المشاريع الصغيرة
بعد تنظيم حفلين استثماريين كبيرين مؤخراً، يبدو أن الحكومة الانتقالية في سوريا تسير نحو إعطاء الأولوية لجذب الاستثمارات الأجنبية، خاصة في مجالات إعادة تأهيل البنى التحتية المدمرة، مثل قطاعات النقل والطاقة. ورغم أهمية هذا التوجه، فإن التركيز المفرط على الاستثمارات الخارجية دون دعم مماثل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة قد يُبقي المشكلات الاقتصادية الكبرى بلا حلول حقيقية.
أزمة بطالة خانقة في سوريا: أكثر من 60% خارج سوق العمل:
بحسب تصريحات سابقة لوزير الاقتصاد، يتجاوز معدل البطالة في سوريا 60%، أي ما يعادل أكثر من 3 ملايين عاطل عن العمل. هذا الواقع يتطلب تدخلات عاجلة، ليس فقط عبر المشاريع الاستثمارية الكبرى، بل من خلال تمكين المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي تملك قدرة أكبر على خلق فرص عمل موزعة جغرافياً وتتناسب مع قدرات المجتمع المحلي.
مشاريع البنية التحتية: ضرورية لكنها لا تكفي:
تُقدَّر خسائر سوريا في قطاعات الكهرباء والنفط والنقل بأكثر من 300 مليار دولار، ما يجعل الاستثمار الأجنبي في البنية التحتية أولوية. ومع ذلك، فإن هذه الاستثمارات غالباً ما تعتمد على التكنولوجيا الحديثة، وتُوظّف أعداداً محدودة من العمال. فعلى سبيل المثال، استثمارات أجنبية بقيمة 119 مليار دولار في العالم العربي العام الماضي، وفرت فقط 191 ألف فرصة عمل مباشرة.
المشروعات الصغيرة والمتوسطة: مفتاح خلق الوظائف وتحقيق التنمية المحلية:
بعكس المشاريع الضخمة، تمتاز المشروعات الصغيرة والمتوسطة بقدرتها على الانتشار جغرافياً، ومساهمتها الفعلية في تقليل نسبة البطالة والفقر. كما أنها تحفز الابتكار، وتحدّ من الهجرة الداخلية والخارجية، وتُعزز الاستقرار الاجتماعي.
ووفقاً لمسح حكومي نُفذ قبل سنوات في خمس محافظات سورية، تم إحصاء أكثر من 440 ألف منشأة صغيرة ومتوسطة، يعمل فيها ما يزيد عن 464 ألف عامل. ومع غياب المسح في مناطق كثيرة بسبب ظروف الحرب، يُرجّح أن الأرقام الحقيقية أكبر بكثير.
المطلوب: توازن بين الاستثمارات الأجنبية والمحلية:
يجب أن تتضمن الخطة الاقتصادية الوطنية في سوريا دعماً فعلياً وموجهاً للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، عبر:
1- توفير تمويلات صغيرة ميسّرة
2- دعم التسويق الإلكتروني والتدريب المهني
3- تأمين بيئة قانونية وتشريعية مشجعة
4- ربط تلك المشاريع بخطط إعادة الإعمار
دون هذا التوازن، ستبقى فرص التنمية والانتعاش الاقتصادي بعيدة المنال، مهما ارتفعت أرقام الاستثمارات الأجنبية على الورق.
إقرأ أيضاً: إعادة إعمار سوريا بعد الحرب: تحديات اقتصادية وسياسية في ظل قيادة الشرع
إقرأ أيضاً: المنح الخليجية للاقتصاد السوري.. دعم مؤقت أم دليل على هشاشة الحكومة الانتقالية؟