في خطوة مثيرة للجدل، أصدر رئيس السلطة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع مرسومًا ألغى من خلاله عدة مناسبات وطنية ورمزية من قائمة العطل الرسمية، وهي:
1- عيد المعلم، الذي يُكرّم بُناة الأجيال ومنارات الفكر
2- عيد الشهداء، ذكرى إعدام 21 مناضلًا عربيًا على يد الاحتلال العثماني في 6 أيار 1916
3- ذكرى حرب تشرين التحريرية، التي خاضتها سوريا ومصر في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي عام 1973
في المقابل، أُضيفت مناسبتان جديدتان هما: 18 آذار (عيد الثورة السورية)، و8 كانون الأول (عيد التحرير)، ما أثار عاصفة من التساؤلات: هل نحن أمام إعادة صياغة متعمّدة للهوية الوطنية؟ أم محو منهجي للرموز الجامعة؟
كما لم يتطرق مرسوم الشرع إلى عيد النوروز، الذي يُعد رمزًا تاريخيًا وثقافيًا للشعب الكردي، على الرغم من الحديث عن الاعتراف بحقوق الأكراد في اتفاق آذار /مارس الماضي بين رئيس السلطة الانتقالية أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي.
“عيد النوروز: رمز ثقافي مغيّب رغم وعود الاعتراف بالهوية الكردية“:
ورغم الحديث عن الاعتراف بالهوية الكردية في اتفاق آذار، إلا أن العديد من المظاهر الثقافية الكردية ما زالت مغيّبة رسميًا، أبرزها عيد النوروز، الذي يُعد رمزًا تاريخيًا وثقافيًا للشعب الكردي. لم يتم إدراجه أو الاعتراف به كعيد رسمي، ما يُعد تجاهلًا واضحًا لعنصر أساسي من الهوية الكردية، ويثير تساؤلات حول جدّية الالتزام بمضمون الاتفاق واحترام التنوع الثقافي في سوريا.
تهميش التاريخ… وتمجيد اللحظة السياسية:
يبدو أن إلغاء هذه المناسبات ليس قرارًا إداريًا عابرًا، بل خيار سياسي بامتياز، يستهدف تقزيم رموز تاريخية ساهمت في بناء الوعي الوطني، من المعلم إلى الشهيد إلى الجندي الذي قاتل على الجبهات.
عيد المعلم، الذي كان يومًا لتكريم من يزرعون الوعي، شُطب من الذاكرة الرسمية.
عيد الشهداء، الذي يخلّد ذكرى مقاومة الاحتلال العثماني، حُذف من الروزنامة الوطنية.
ذكرى حرب تشرين، التي تحتفل بها مصر حتى اليوم كرمز للوحدة العربية والنصر الجزئي على العدو، أُقصيت بلا مبرر.
ردود فعل غاضبة… ورفض لتزييف التاريخ:
اعتبرت الناشطة النسوية سوسن زكزك أن “إلغاء عيد الشهداء هو تزييف سياسي للتاريخ العربي”، مؤكدة أن ما عاشته الدول العربية تحت الاحتلال العثماني كان استعمارًا لا خلافة، وأن إعدام الشهداء على يد “جمال باشا السفاح” كان شرارة للثورة العربية الكبرى.
مواطنون وناشطون عبّروا عن سخطهم من القرار، قائلين إن ما يحدث هو إلغاء للرموز التي تُوحّد السوريين وتُلهمهم، مقابل تقديم سردية جديدة تُناسب التحالفات الإقليمية الحالية – في تلميح إلى تحكم تركيا بمعظم قرارات السلطة الانتقالية، التي لا تزال تُبيّض صفحة الاحتلال العثماني وتعتبره “خلافة إسلامية”.
عيد الشهداء… ذاكرة لا تُمحى:
يعود أصل عيد الشهداء إلى يوم 6 أيار 1916، عندما أعدم الاحتلال العثماني 21 مناضلًا في دمشق وبيروت، أبرزهم عبد الحميد الزهراوي وشفيق مؤيد العظم ورُشدي الشمعة.
كان لتلك المجزرة الدور الأكبر في إشعال الثورة العربية الكبرى بعد أسابيع فقط من تنفيذ الإعدامات.
إنه ليس يوم عطلة، بل رمز للتحرر العربي، وصرخة في وجه كل استعمار أو احتلال، سواء كان عثمانيًا أو صهيونيًا أو سلطويًا.
التاريخ لا يُلغى بمرسوم… ولا يُشوّه بقرار:
إلغاء هذه المناسبات هو محاولة لإعادة تشكيل الوعي الوطني عبر حذف رموز المقاومة والمعرفة والوحدة من الذاكرة الرسمية.
لكن التاريخ لا يُعاد كتابته بقرار فوقي، ولا تُمحى ذاكرة شعب قاوم، وعلّم، واستُشهد من أجل كرامته.
سيمضي من يسعى لتزوير التاريخ، وستبقى القيم التي خلدت هذه المناسبات حيّة في الذاكرة الشعبية.
لأن من لا يُكرّم معلميه، ولا يخلّد شهداءه، ولا يعتز بتاريخه… يكتب نهايته بيده.
إقرأ أيضاً: تقرير حقوقي: 17 انتهاكاً في يوم واحد بسوريا.. تواطؤ إداري وغياب ممنهج للمساءلة
إقرأ أيضاً: انتخابات بلا شعب.. مجلس بلا شرعية