غمرت مياه نهر الخابور عدداً من منازل السكان على ضفتي النهر في آذار الماضي، وتحديداً في أراضي حيي حبو والمريديان في مدينة الحسكة، وأعاد المشهد للناس الأمل بعودة الحياة إلى النهر الذي جف قبل سنوات عديدة، لكن فيضانه لم يستمر. مع مطلع حزيران عادت التحذيرات من جفافه مجدداً، المزارعون كانوا عقدوا أملاً كبيراً بازدهار الزراعة مجدداً على كلا ضفتي النهر، من تل طويل وصولا إلى تل هرمل، والعديد من المناطق الأخرى حيث خسر المزارعون مئات الهكتارات من أرزاقهم منذ بداية مراحل الجفاف عام 1990.
والخابور “رفيق الأرض بالآرامية” هو النهر الوحيد الذي ينبع ويصب في مناطق الشمالي الشرقي، ويمتد من رأس العين حيث ينبع من عدة ينابيع في منطقة رأس العين، قرب الحدود مع تركيا من أهمها عين كبريت، وعين الحصان، وعين الزرقاء الشمالية، وعين الزرقاء الجنوبية وعين المالحة وعين الفوارة، كما يتلقى الخابور في بداية تشكله من الينابيع السابقة، مياه الخابور التركي الذي يشكل نبع عين غزال عند سفح جبل كارداغ في تركيا بدايته، وتتدفق مياهه محدودة الكمية إلى الشرق مباشرة من تل حلف، ووصولاً إلى البصيرة في دير الزور، ويبلغ طوله حوالي 320 كيلومترا، وكانت تشتهر القرى على ضفتيه بزراعة القمح والقطن والشعير والخضار الصيفية والشتوية، وكانت تقدر المساحات المروية منه بنحو 150 ألف هكتار.
ومنذ عقود والجفاف يساهم في تقليص حياة السكان هناك، مرجعين السبب إلى تشييد الأتراك سداً على الخابور في أراضيهم، وحفر الكثير من الآبار الجوفية، فإن نهر الخابور التركي لا يصل إلى سورية إلا في سنوات الأمطار الغزيرة وفي نصف السنة الشتوي، ما يزيد من صعوبة الحياة في الحسكة ومناطق الجزيرة السورية التي كانت تعتمد عليه بشكل كبير، لتضاف أزمة جفاف الخابور إلى أزمة الانقطاع المتكرر للمياه عن الحسكة، والتي تهدد حوالي مليون مدني من أهالي المحافظة.
وظهرت أزمة مياه الحسكة، كأهم الملفات التي تبرز المظلومية التي تعاني منها المحافظة، حيث يعاني الأهالي من الانقطاع المتكرر لمياه الشرب، التي تشكل محطة علوك التي تحتلها تركيا مصدرها الأساسي، منذ عملية ما يسمى “نبع السلام” في تشرين الأول 2019، وتعد محطة علوك المصدر المائي الوحيد المغذّي لنحو مليون مدني في الحسكة وريفها.
وأدت الخلافات بين قوات الاحتلال التركي وميليشيا “قسد” التابعة للاحتلال الأميركي، بخصوص تزويد الحسكة بالمياه، مقابل تزويد رأس العين وتل أبيض بالمياه، إلى تكرار المعاناة لعشرات المرات، فبات ابن الحسكة لا يعلم متى تصل المياه إلى منزله، ومتى تنقطع، والأهم مدة الانقطاع.
ويضاف إلى محطة علوك، مسألة جفاف نهر الخابور الذي يعود كل صيف للواجهة، مع انتشار فيديوهات الجفاف، وموت الأسماك، والتهديدات بانتشار الأمراض، وذلك نتيجة الخلاف التاريخي مع تركيا حول ملف المياه، حيث لعبت الحكومات التركية المتعاقبة دوراً كبيراً من خلال الاستجرار الجائر وبناء السدود، لجفاف النهر.
وشرح الصحفي عطية العطية لـ “داما بوست” أسباب جفاف النهر وأهميته بالنسبة للحسكة قائلاً.. “محافظة الحسكة كانت تعتبر من أهم المحافظات من الناحية المائية لتواجد أنهار الخابور، والجقجق، إضافة إلى نهري الزركان والجرجب، وكلها موجودة بمنطقة رأس العين، يضاف اليها مجموعة من السدود الكبيرة مثل السد الشرقي والسد الغربي وسد الباسل وسد السفان، إلا أن النهر بدأ بالجفاف منذ عام 1990، نتيجة جفاف ينابيعه من الأراضي التركية والسورية، بسبب حفر الآبار الارتوازية بشكل كبير داخل رأس العين، علاوة على السدود والمشاريع المائية الضخمة للدولة التركية ومنها سد أتاتورك”.
وأشار “العطية” إلى أن الحسكة اليوم تعيش ظروفاً مائية صعبة نتيجة جفاف انهارها، وتعتمد فقط على مياه الأمطار، وأنه خلال فصلي الشتاء والربيع تحدث فيضانات على الحدود مع تركيا تصب في نهر الخابور فيعود جريانه لمستويات منخفضة تصل حدود 60 متر مكعب في الساعة”.
وأضاف “قامت الدولة السورية بافتتاح مشروع جر مياه نهر دجلة إلى مياه الخابور عام 2011، والذي يعتبر من المشاريع الضخمة لإحياء المنطقة، وإعادة الحياة للنهر، إلا أن اندلاع الحرب أوقف المشروع رغم الانتهاء من إنجاز حوالي 50% من انشاء محطة الضخ الرئيسية على سرير نهر دجلة بمنطقة عين ديوار”.
وحول فيديوهات موت الأسماك في سرير الخابور أوضح “العطية” أنه “نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، ماتت الأسماك التي تحيا ضمن البرك المتبقية في مجرى النهر، فانتشرت فيديوهات وصور عن جفاف النهر لكن موضوع الجفاف قديم كما قلنا، واليوم، هناك إنذارات من وقوع كارثة بيئية خصوصاً مع انخفاض مستوى نهر الفرات إلى أقل من 150 متر مكعب في الثانية مع العلم أنه يجب أن يكون 500 ألف متر مكعب بالثانية (حصة سوريا الدولية) وذلك نتيجة حبس الدولة التركية لمياه النهر وبناء السدود، غير آبهة بالتداعيات السلبية على الدول المتشاطئة معها على الفرات ودجلة.