عودة الدراجات النارية إلى شوارع دمشق… بين الحاجة المعيشية والخطر المروري المتصاعد
شهدت العاصمة السورية دمشق خلال الأشهر الأخيرة عودة ملحوظة لانتشار الدراجات النارية بعد سنوات من تقييدها، لتتحول من وسيلة نقل سريعة ورخيصة، إلى ملف جدلي يجمع بين الأبعاد المعيشية والمرورية والأمنية. ومع تحسّن الحركة الاقتصادية نسبيًا وعودة النشاط إلى الشوارع، تضاعف عدد الدراجات، ما أثار مخاوف واسعة حول السلامة المرورية وغياب التنظيم القانوني.
مطالب بالترخيص في مقابل فوضى الشوارع:
خلال الفترة الماضية ارتفعت مطالب سائقي الدراجات بالحصول على تراخيص رسمية تحميهم من الملاحقات اليومية وتضمن لهم مصدر رزق مستقر، إلا أن هذه المطالب جاءت بالتوازي مع ارتفاع غير مسبوق في الحوادث المرتبطة بالدراجات داخل المدينة.
ويرى كثيرون أن المشكلة لم تعد تتعلق بوجود الدراجات بحد ذاتها، بل بـ فوضى الاستخدام وغياب أي ضوابط أو مسارات خاصة داخل العاصمة المكتظة.
سائقو الدراجات: “بدنا ترخيص… بس يكون منطقي”:
يقول محمد (27 عامًا)، وهو عامل في توصيل الطلبات منذ ثلاث سنوات: “الدراجة هي مصدر رزقي الوحيد. مو ضد التنظيم… بس الترخيص لازم يكون معقول. إذا صار بملايين، الناس رح تضل تشتغل تهريب.”
وبرأيه، فإن غالبية سائقي الدراجات هم من الشباب العاطلين عن العمل، وأن أي رسوم مرتفعة ستؤدي إلى زيادة العمل غير النظامي بدل الحد منه.
فيما يؤكد فادي من جرمانا خلال حديثه لموقع “الحل نت” أن المشكلة تكمن في غياب التنظيم وليس في الدراجات نفسها، ويقول: “لو في مسارات خاصة وخوذات إلزامية ورقابة حقيقية، ما كانت كل هالحوادث صارت.”
حوادث الدراجات في ارتفاع… أرقام مقلقة:
بحسب بيانات الدفاع المدني السوري، تم تسجيل أكثر من 700 حادث سير منذ بداية 2025 وحتى نهاية نيسان، جزء كبير منها مرتبط بالدراجات النارية. وتشمل الأسباب:
1- السرعة الزائدة
2- السير بعكس الاتجاه
3- تجاهل الإشارات
4- عدم ارتداء الخوذة
5- سوء الطرقات وغياب الصيانة
ويؤكد طبيب إسعاف في أحد مستشفيات دمشق أن الحوادث المرتبطة بالدراجات شهدت ارتفاعًا لافتًا خلال الأشهر الأخيرة، وأن الإصابات غالبًا ما تكون خطيرة بسبب انعدام وسائل الحماية.
انقسام في الشارع الدمشقي: ضرورة أم خطر؟
باتت الدراجات النارية موضوعًا مثيرًا للانقسام في دمشق. فبينما يرى البعض أنها خطر يومي، يعتبر آخرون أنها الحل الوحيد لأزمة النقل الخانقة.
رأي المعارضين: “فوضى مرخّصة”
أبو سامر كحيل من حي التجارة يقول: “الشوارع صارت مثل حلبة سباق. نخاف نمشي على الرصيف. الترخيص ما بيطمن إذا ما في التزام فعلي.”
رأي المؤيدين: “الدراجة صارت ضرورة”
أحمد خدوج، طالب جامعي، يرى أنها الحل الوحيد للتنقل: “قبل أزمة المواصلات كانت خانقة… واليوم أزمة السير. الدراجات وفّرت وقت ومال. المشكلة بالمخالفات مو بالدراجات.”
بين الحاجة للرزق وحق الناس بالأمان… أين الحل؟
يؤكد علي سبتو من حي المزة أن القضية تحتاج إلى ضبط قانوني واضح: “ما فينا نمنع الناس تشتغل… بس بدنا قانون ينظم الشوارع. مو يا كل شي يا بلا شي.”
حتى الآن لا توجد أي آلية واضحة للترخيص، ما يترك الدراجات في منطقة رمادية: لا هي ممنوعة رسميًا، ولا منظّمة بشكل قانوني.
ومع الحملات الأمنية المتقطعة والقرارات المتذبذبة بين التشديد والتساهل، ما يزال الملف مفتوحًا بلا رؤية واضحة.
هل تتجه دمشق نحو تنظيم الدراجات أم نحو فوضى مرورية أكبر؟
في ظل تزايد الاعتماد على الدراجات كوسيلة معيشية، وتزامن ذلك مع ارتفاع مقلق في الحوادث، يبقى السؤال الرئيسي هو: هل ستتخذ دمشق خطوات جدية لتنظيم الدراجات النارية، أم أن الشوارع ستتجه نحو فوضى مرورية “مقنّعة” تحت مظلة الترخيص؟
يبقى الجواب معلقًا، بينما تستمر الدراجات في التحرك على خط رفيع بين الحاجة الاقتصادية… والخطر اليومي على سلامة الناس.
إقرأ أيضاً: حملة تضييق على الدراجات النارية في سوريا.. بين دوافع أمنية والانتقادات